للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هم قوم خصمون). رواه أحمد, والترمذي, وابن ماجه. [١٨٠].

١٨١ - وعن أنس بن مالك, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم, فإن قوما شددوا على أنفسهم, فشدد الله عليهم, فتلك يقاياهم في الصوامع, والديار {رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ})). رواه أبو داود [١٨١].

ــ

كيف طابق هذا المعنى الآية حتى استشهد بها؟ قلت: من حيث إنهم عرفوا الحق بالبراهين الساطعة ثم عاندوا وانتهزوا مجالا للطعن, فلما تمكنوا مما التمسوه جادلوا الحق بالباطل, وكذا دأب* الفرق الزائغة من الزنادقة وغيرها.

((قض)): المراد بهذا الجدل العناد, والمراء, والتعصب في ترويج مذهبهم, وآراء مشايخهم, من غير أن يكون لهم نصرة على ماهو الحق, وذلك محرم, أما المناظرة لإظهار الحق, واستكشاف الحال, واستعلام ما ليس معلوما عنده, أو تعليم غيره ما هو عنده ففرض على الكفاية, خارج عما نطق به الحديث. {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلَاّ جَدَلاً} أي ما قالوه لك: {وقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} وأرادوا به أن الملائكة خير أم عيسى؟ فإذا عبد النصارى عيسى فنحن نعبد الملائكة, ما قالوا ذلك إلا جدلا وعنادا, لا دليل وبرهان, ولم يسألوا ذلك لطلب الحق بل لمخاصمتك, وإيذائك بالباطل.

الحديث التاسع عشر عن أنس: قوله: ((فيشدد)) نصب على جواب النهي, والفاء في ((فإن قوما)) سبب للفعل المنهي المسبب عنه الشدة. والفاء في ((فتلك)) للتعقيب, و ((تلك)) إشارة إلى ما في الذهن من تصور جماعة باقية من أولئك المشددين, والخبر بيان له, كما في قوله تعالى: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ}.

قوله: {ورَهْبَانِيَّةً} وهي ترهبهم في الجبال, فارين من الفتنة في الدين, مخلصين أنفسهم للعبادة, ومعناها الفعلة المنسوبة إلى الرهبان وهو الخائف, فعلان من رهب, كخشيان

<<  <  ج: ص:  >  >>