الإصابة العين من جملة ما تحقق كونه، وقوله:((فلو كان شيء سابق القدر)). كالمؤكد للقول الأول. وفيه تنبيه على سرعة نفوذها وتأثيرها في الدواب.
وقوله:((إذا استغسلتم فاغسلوا)) كانوا يرون أن يؤمر العائن فيغسل أطرافه وما تحت الإزار، فتصب غسالته على المعيون يستشفعون بذلك، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يمتنعوا من الاغتسال إذا أريد منهم ذلك. وأدنى ما في ذلك دفع الوهم الحاصل من ذلك. وليس لأحد أن ينكر الخواص المودعة في أمثال ذلك، ويستدعها من قدرة الله وحكمته، لا سيما وقد شهد بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر بها، وذلك مذكور في الحسان من هذا الباب في حديث أبي أمامة.
((حس)): روى أن عثمان رضي الله عنه رأي صبياً مليحاً فقال: دسموا نونته؛ كيلا تصيبه العين، ومعنى ((دسموا)) سودوا. و ((النونة)) النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير. وروى عن هشام بن عروة أنه كان إذا رأي من ماله شيئاً يعجبه، أو دخل حائطاً من حيطانه، قال:{مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلَاّ بِاللَّهِ} إلى قوله: {فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ} الآية.
((مح)): قال المازوي: العين حق لظاهر الحديث وأنكره طوائف من المبتدعة، والدليل على فساد قولهم أن كل معنى لا يؤدي إلى قلب حقيقة، ولا فساد دليل، فإنه من مجوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه وجب اعتقاده، ولا يجوز تكذيبه. وقد زعم الطبيعيون المثبتون للعين أن العائن ينبعث من عينه قوة سمية، تتصل بالعين فيهلك أو يفسد. قالوا: ولا يمتنع هذا كما لا يمتنع انبعاث قوة سمية من الأفعى والعقرب، تتصل باللديغ فيهلك وإن كان غير محسوس لنا.
قال المازري: هذا غير مسلم؛ لأنا بينا في الكتب الكلامية أن لا فاعل إلا الله تعالى، وبينا فساد القول بالطبائع. وأقرب الطرق ما قاله بعض من ينتحل الإسلام منهم: لا يبعد أن ينبعث من العائن جواهر لطيفة، غير مرئية من العين فتتصل بالمعين، وتتخلل مسام جسمه، فيخلق الله سبحانه وتعالى الهلاك عندها كما يخلق الله الهلاك عند شرب السموم عادة أجراها الله تعالى.
والمازري أحد جماهير العلماء وشارح الترمذي، وقد أطنب في أبحاثه الإمام فخر الدين الرازي، في سورة يوسف عند قوله تعالى:{يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ واحِدٍ} فلينظر هناك من أراد زيادة الإطلاع عليه.
((مح)): فيه إثبات القدر وأن الأشياء كلها بقدر الله، ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى وسبق بها علمه، فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدرة الله تعالى. أقول: المعنى: إن فرض شيء له قوة وتأثير عظيم يسبق القدر، لكان عيناً. والعين لا تسبق فكيف بغيرها؟.