يذهب إليه المتطببة في علل سبع: الجذام والجرب والجدري والحصبة والبخر والرمد والأمراض الوبائية. وقد اختلف العلماء في التأويل، فمنهم من يقول: إن المراد منه نفي ذلك وإبطاله على ما يدل عليه ظاهر الحديث، والقرائن [المسوقة] على العدوى، وهم الأكثرون. ومنهم من يرى أنه لم يرد إبطالها فقد قال صلى الله عليه وسلم:((فر من المجذوم كما تفر من الأسد)) وقال: ((لا يوردن ذو عاهة على مصح)).
وإنما أراد بذلك نفي ما كان يعتقده أصحاب الطبيعة؛ فإنهم كانوا يرون أن العلل المعدية مؤثرة لا محالة، فأعلمهم بقوله هذا أن ليس الأمر على ما تتوهمون، بل هو متعلق بالمشيئة إن شاء كان، وإن لم يشأ لم يكن. ويشير إلى هذا المعنى قوله:((فمن أعدى الأول؟)) أي: إن كنتم ترون أن السبب في ذلك العدوى لا غير، فمن أعدى الأول؟ , وبين بقوله:((فر من المجذوم)) وبقوله: ((لا يوردن ذو عاهة على مصح)) أن مداناة ذلك من أسباب العلة، فليتقه اتقاءه من الجدار المائل والسفينة المعيوبة، وقد رد الفرقة الأولى على الثانية قد استدلالهم بالحديثين أن النهي فيهما إنما جاء شفقا على مباشر أحد الأمرين، فتصيبه علة في نفسه أو عاهة في بدنه، فيعتقد أن العدوى حق.
قال: وأرى القول الثاني أولى التأويلين؛ لما فيه [من] التوفيق بين الأحاديث الواردة فيه ثم؛ لأن القول الأول يفضي إلى تعطيل الأصول الطبية، ولم يرد الشرع بتعطيلها بل ورد بإثباته، والعبرة بها على وجه لا يناقض أصول التوحيد. ولا مناقضة في القول بها على الوجه الذي ذكرناه.
وأما استدلالهم بالقرائن المنسوقة عليها، فإنا قد وجدنا الشارع قد يجمع في النهي بين ما هو حرام، وبين ما هو مكروه، وبين ما ينهي عنه لمعنى، وبين ما ينهي عنه لمعان كثيرة. ويدل على صحة ما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم المبايع:((قد بايعناك فارجع)) في حديث الشريد بن سويد الثقفي، وهو مذكور بعد. وقوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم الذي أخذ بيده فوضعها معه في القصعة:((كل ثقة بالله وتوكلا عليه)). ولا سبيل إلى التوفيق بين هذين الحديثين إلا من هذا الوجه، يبين بالأول التوقي من أسباب التلف، وبالثاني التوكل على الله في متاركة الأسباب؛ ليثبت بالأول التعرض بالأسباب وهو سنة. وبالثاني ترك الأسباب وهو حاله.
قوله:((ولا طيرة)) مضى بحثه في ترجمة الباب. قوله:((ولا هامة)) قال أبو داود في سننه: قال بقية: سألت محمد بن راشد عن قوله: ((لا هامة)) قال: كان أهل الجاهلية يقولون: ليس أحد يموت فيدفن إلا خرج من قبره هامة.
((مح)): هي بتخفيف الميم على المشهور. وقيل: بتشديدها. وفيها تأويلان: أحدهما: أن العرب كانت تتشاءم بها، وهي من طير الليل. وقيل: هي البومة. قالوا: كانت إذا سقطت على دار أحدهم فيراها ناعية له نفسه أو بعض أهله، وهو تفسير مالك بن أنس. وثانيهما: كانت