٤٦٩٨ - عن أنس ((بن مالك)) قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا، لما يعلمون من كراهيته لذلك. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. [٤٦٩٨]
٤٦٩٩ - وعن معاوية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار)) رواه الترمذي، وأبو داود. [٤٦٩٩]
..
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((كراهيته لذلك)) ولعل الكراهية للمحبة والاتحاد الموجب لرفع التكلفة والحشمة، يدل على قوله:((لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛قال الشيخ أبو حامد: مهما تم الاتحاد خفت الحقوق فيما بينهم مثل القيام والاعتذار والثناء؛ فإنها وإن كانت من حقوق الصحبة لكن في ضمنها نوع من الأجنبية والتكلف. فإذا تم الاتحاد، انطوى بساط التكلف بالكلية، فلا يسلك به إلا مسلك نفسه؛ لأن هذه الآداب الظاهرة عنوان الآداب الباطنة وصفاء القلب، ومهما صفت القلوب استغنى عن تكلف إظهار ما فيها. فالحاصل أن القيام وتركه بحسب الأزمان والأحوال والأشخاص.
الحديث الثاني عن معاوية: قوله: ((أن يتمثل)) ((فا)):المثول الانتصاب، ومنه: فلان متماثل ومتماسك بمعنى تماثل المريض. وقالوا: الماثل من الأضداد يكون المنتصب واللاطئ بالأرض. وقوله:((فليتبوأ)) لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، كأنه قال: من سره ذلك وجب له أن ينزل منزلة من النار وحق له ذلك.
أقول:((قياما)) يجوز أن يكون مفعولا مطلقا لما في الانتصاب من معنى القيام، وأن يكون تمييزا لاشتراك المثول بين المعنيين. روى البيهقي في شعب الإيمان عن الخطابي في معنى الحديث: هو أن يأمرهم بذلك ويلزمه إياهم على مذهب الكبر والنخوة. قال: وفي حديث سعد دلالة على أن قيام المرء بين يدي الرئيس الفاضل، والوالي العادل، وقيام المتعلم للعالم مستحب غير مكروه. قال البيهقي: هذا قيام يكون على وجه البر والإكرام، كما كان قيام الأنصار لسعد وقيام طلحة لكعب بن مالك. ولا ينبغي للذي قام له أن يريد ذلك من صاحبه حتى إن لم يفعل حنق عليه أو شكاه أو عاتبه.