وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار)). رواه البخاري.
ــ
وصونها عن الضياع والتحريف- واجبة التبليغ، فالحديث- ولا شيء فيه مما ذكر- أولى بأن يحدث عنه بالتبليغ.
((حس)): ليس في الحديث إباحة الكذب على بني إسرائيل، بل معناه الرخصة في الحديث عنهم بلا إسناد؛ لأنه أمر قد تعذ في الإخبار عنهم؛ لطول المدة، ووقوع الفترة. وفيه إيجاب التحرز عن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لا يحدث عنه إلا بما يصح بنقل الإسناد والتثبت فيه. قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وأقول- والله أعلم- قوله:((بلغوا عني)): يحتمل وجهين: أحدهما أن يراد إيصال السند بنقل العدل الثقة عن مثله إلى منتهاه؛ لأن التبليغ من البلوغ، وهو انتهاء الشيء إلى غايته. وثانيهما أداء اللفظ كما سمعه من غير تغيير. والمطلوب في الحديث كلا الوجهين؛ لوقوع قوله:((بلغوا عني)) مقابلاً لقوله: ((حدثوا عن بين إسرائيل ولا حرج)) إذ ليس في التحديث ما في التبليغ من الحرج والتضييق. ويعضد هذا التأويل الآية والحديث، أما الآية فقوله تعالى:{يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} أي وإن لم تفعل كما هو حقه فما لغت ما أمرت به. وأما الحديث فهو قوله:((نصر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه))، وسيجيء شرحه إن شاء الله تعالى.
وأما قوله:((ولو آية)) أي علامة، فهو تتميم ومبالغة، أي لو كان المبلغ والمؤدى فعلاً، أو إشارة باليد والأصابع. وها هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عقد باباً طويلاً في هذا المعنى، ثم رتب على ما ذكر الوعيد البليغ. وقوله:((ومن كذب على متعمداً)) يعني من لم يبلغ حق التبليغ، ولم يحتط في الأداء، ولم يراع صحة الإسناد، وحدث عني بلا حرج- دخل في زمرة الكاذبين، كما ورد:((كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)) والأمر بالتبوء تهكم وتغليظ؛ إذ لو قيل: كان مقعده في النار، لم يكن كذلك: وأيضاً فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه، أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد في جزائه التبوء.
((غب)): الآية هي العلامة الظاهرة وحقيقته لكل شيء ظاهر هو ملازم لشيء لا يظهر ظهوره، فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته.
قال ابن الصلاح في كتابه إن حديث:((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) من المتواتر، وليس في الأحاديث ما في مرتبته من، فإن ناقليه من الصحابة العدد الجم، وهو في الصحيحين مروي عن جماعة منهم، وروي بعض الحفاظ أنه رواه رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان