لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن من البيان لسحرا)) رواه البخاري.
ــ
الفصل الأول
الحديث الأول عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((رجلان من المشرق)) قال الميداني: هما الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم. وكذا من الشيخ التوربشتي.
قوله:((إن من البيان لسحر))، ((من)) للتبعيض والكلام فيه تشبيه، وحقه أن يقال: إن بعض البيان كالسحر، فقلب، وجعل الخبر مبتدأ مبالغة في جعل الأصل فرعا والفرع أصلا. ووجه التشبيه يتغير بتغير إرادة المدح والذم.
((حس)):اختلفوا في تأويله، فمنهم من حمله على الذم، وذلك أنه ذم التصنع في الكلام والتكلف لتحسينه ليروق للسامعين قوله ويستميل به قلوبهم. وأصل السحر في كلامهم الصرف، وسمي السحر سحرا؛ لأنه مصروف عن جهته فهذا المتكلم ببيانه يصرف قلوب السامعين إلى قبول قوله، وإن كان غير حق. أو المراد من صرف الكلام فضله، وما يتكلف الإنسان من الزيادة فيه من وراء الحاجة قد يدخله الرياء ويخالطه الكذب. وأيضا فإنه قد يحيل الشيء عن ظاهره ببيانه ويزيله عن موضعه بلسانه إرادة التلبيس عليهم، فيصير بمنزلة السحر الذي هو تخيل لما لا حقيقة فيه له.
وقيل: أراد به أن من البيان ما يكتسب به صاحبه من الإثم ما يكتسب الساحر بسحره.
وقيل: معناه الرجل يكون عليه الحق، وهو ألحن بحجته من صاحب الحق، فيسحر القوم ببيانه فيذهب الحق. وشاهده قول النبي صلى الله عليه وسلم:((إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له ((على نحو ما أسمع منه)) منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه)).الحديث.
وذهب آخرون إلى أن المراد منه مدح البيان، والحث على تحسين الكلام وتحبير الألفاظ؛ لأن أحد القرينين وهو قوله:((إن من الشعر حكمة)) على طريق المدح. فكذلك القرين الآخر. وروي عن عمر بن عبد العزيز أن رجلا طلب إليه حاجه كان يتعذر عليه إسعافه بها، فاستمال قلبه بالكلام، فأنجزها له ثم قال: هذا هو السحر الحلال.
أقول: يمكن أن يجاب عن التمسك بقوله، لأن أحد القرينين وهو قوله:((إن من الشعر حكمة)) بأن يقال: إنه رد لمن زعم أن الشعر كله مذموم قبيح، يشهد بذلك التوكيد بـ ((إن واللام))؛ولذلك صان الله رسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله. والنثر كله حسن محمود.
فقيل له: إن بعض البيان كالسحر في الباطل، وبعض الشعر كالحكمة في أنه حق؛ يدل عليه قوله: الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح. والحق أن الكلام ذو وجهين يختلف بحسب