للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٩٢٠ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرحم شجنة من الرحمن. قال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)) رواه البخاري.

ــ

((مح)): لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعها معصية كبيرة. وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بكلام ولو بالسلام. ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب. ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً. ولو قصر عما يقدر عليه- وينبغي له- لا يسمى واصلاً.

وقوله: ((فذلك)) مبتدأ خبره محذوف، أي فلك ذاك. قوله: ((فقال: مه؟)). قال المالكي: أصله ((ما)) الاستفهامية حذفت ألفها، ووقف عليه بهاء السكت. والشائع أن لا يفعل ذلك بها إلا وهي مجرورة. ومن استعمالها هكذا غير مجرورة قول الحجاج لليلى الأخيلية: ثم مه: قالت: ثم لم يلبث أن مات، وقول أبى ذؤيب: مه: فقيل له: هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكى الكسائي: أن بعض كنانة يقولون: معندك ومصنعت؟ فيحذفون الألف دون جر، ولا يصلون الميم بهاء السكت لعدم الوقف. وفي الاقتصار على الميم- في: ((معندك ومصنعت)) - دليل على أن الهاء في قول أبي ذؤيب والحجاج هاء سكت، لا بدل من الألف كما زعم الزمخشري؛ لأنها عوملت معاملة المتصلة بالمجرورة من السقوط وصلا والثبوت وقفا. ولو كانت بدلا من الألف، لجاز أن يقال في الوصل: مه عندك، ومه صنعت؟.

الحديث العاشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((شجنة من الرحمن)) ((تو)): الشجنة بالكسر عروق الشجر المشتبكة. وكذلك الشجنة بالفتح، والشجنة بالسكون واحد شجون الأودية وهي طرفها. ويقال: الحديث ذو شجون، أي يدخل بعضه في بعض. والمراد من الرحمن أي من هذا الاسم يدلك عليه حديثه الآخر. قال الله تعالى: ((أن الله وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي)) المعنى: الرحم أثر من آثار رحمته مشتبكة بها، فالقاطع منها قاطع من رحمة الله.

الحديث الحادي عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((معلقة بالعرش)) في الأحاديث الثلاثة بيان مراتب الرحم بعضها من بعض، كبيان مراتب اللياذ. فالأولى لمن هو أخص الأرحام بوساطة الولادة؛ لأن الأخذ بحقوى الرحمن أبلغ في القرب، والثانية دونها؛ لأن الاشتقاق اللفظي مستدع للتناسب بين معنييها، فالقريب دون الأول كالأخوة والأعمام ونحوهما وفرعيهما. والثالثة دونهما؛ لأن التعلق بالعرش دون التعلق بالرحمن وبحقويه. فالقريب منهم أولو الأرحام.

((مح)): للصلة درجات بعضها أرفع من بعض. واختلفوا في حد الرحم التي يجب صلتها،

<<  <  ج: ص:  >  >>