وإخلاص النية في عبادته، وبذلك الطاعة فيما أمر به ونهي عنه، والاعتراف بنعمه والشكر له عليها وموالاة من أطاعة، ومعاداة من عصاه. وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصيحة نفسه لله، والله غني عن نصح كل ناصح.
ومعنى نصيحة الكتاب: الإيمان به وبأنه كلام الله ووحبه وتنزيله، لا يقدر على مثله أحد من المخلوقين، وإقامة حروفه في التلاوة والتصديق بوعده ووعيده، والاعتبار بمواعظه، والتفكير في عجائبه، والعلم بمحكمه والتسليم بمشابهه. وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهي التصديق بنبوته، وقبول ما جاء به ودعا إليه، وبذل الطاعة فيما أمر ونهى، والانقياد له وإيثاره بالمحبة فوق نفسه ووالده وولده والناس أجمعين.
ونصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحق، ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا، وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم لما غفلوا عنه أو لم يبلغهم من حقوق المسلمين، وتأليف قلوب الناس لطاعتهم. ومن النصيحة لهم: الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وأن لا يغرهم بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعو لهم بالصلاح، هذا كله على أن المراد بالأئمة الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات.
وقد [يتأول] ذلك بالأئمة الذين هم علماء الدين، وإن من نصيحتهم قبول ما رووه، وتقليدهم في الأحكام والإحسان الظن بهم. ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم الدينية والدنيوية، وكف الأذى عنهم، وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ويعينهم عليه قولا أو فعلا وستر عوراتهم وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق، كبيرهم ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة وترك غيبتهم وحسدهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه، والذب عن أموالهم وأعراضهم وغير ذلك من أحوالهم.
أقول: وجماع القول فيه أن النصيحة هي خلوص المحبة للمنصوح له، والتحري فيما يستدعي حقه، فلا يبعد أن يدخل فيه نفسه بأن ينصحها بالتوبة النصوح، وأن يأتي بها على طريقتها متداركة للفرطات ماحية للسيئات. ويجعل قلبه محلا للنظر والفكر، وروحه مستقراً للمحبة وسره منصة للمشاهدة. وعلى هذا أعمال كل عضو من العين، بأن يحملها على النظر إلى الآيات الناصة من الآفاقية والأنفسية، والإذن على الإصغاء إلى الآيات النازلة والأحاديث الواردة، واللسان على النطق بالحق وتحري الصدق والمواظبة على ذكر الله وثنائه. قال الله تعالى:{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان مسئولاً}.