عبداً أحبه لأجل الله وبسببه. و ((من)) ها هنا كما في قوله تعالى: {ترى أعينهم تفيض من الدمع} و ((في) كما في قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا} وهذا أبلغ حيث جعل المحبة مظروفاً.
الفصل الأول
الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((جنود مجندة)): أي مجموعة كما يقال: ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة. ومعناه الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدمها الأجساد، أي أنها خلقت أول خلقها على قسمين: من ائتلاف واختلاف كالجنود المجموعة إذا تقابلت وتواجهت. ومعنى تقابل الأرواح ما جعلها الله عليها من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدأ الخلق. يقول: إن الأجساد التي فيها الأرواح، تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه، ولهذا ترى الخير يحب الأخيار ويميل إليهم والشرير يحب الأشرار ويميل إليهم.
((حس)): فيه دليل على أن الأرواح ليست بأعراض، وعلى أنها كانت موجودة قبل الأجساد في الخلقة.
أقول: الفاء في قوله: ((فما تعارف)) للتعقيب أتبعت المجمل بالتفصيل، فدل قوله:((ما تعارف)) على تقدم اشتباك واختلاط في الأزل، ثم تفرق بعد ذلك في ما لا يزال أزمنة متطاولة، ثم ائتلاف بعد التعارف، كمن فقد أنيسه وأليفه ثم اتصل به، فلزمه وأنس به. ودل قوله:((وما تناكر)) على أن ذلك الفقيد لحق لمن لم يكن له سبق اختلاط معه، فاشمأز منه وفارقه، إلى من كان معه في السابق.
ودل تشبيه الأرواح بالجنود المجندة على أن ذلك الاجتماع في الأزل كان لأمر عظيم وخطب جسيم من فتح بلاد وقهر أعداء. ودل ذلك على أن أحد الحزبين حزب الله والآخر حزب الشيطان. فمن تألف في الأزل بحزب الله فاز وأفلح. {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}، ومن تألف بحزب الشيطان خاب وخسر. {أولئك حزب الشيطان ألا أن حزب الشيطان هم الخاسرون} ومن عادة الأجناد المتحزبة أن يسوم كل واحد من أحد الحزبين بعلامة ترفع التناكر من البين، فمتى شاهدوها ائتلفوا.