قالوا: يا رسول الله! تخبرنا من هم؟ قال:((هم قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس)) وقرأ هذه الآية {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. رواه أبو داود. [٥٠١٢]
ــ
تعالى يوم القيامة بمثابة، لو غبط النبيون والشهداء يومئذ، مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم، لغبطوهم.
أقول: يمكن أن تحمل الغبطة هنا على استحسان الأمر المرضي المحمود فعله؛ لأنه لا يغبط إلا في الأمر المحمود المرضي؛ فإن الأنبياء والشهداء صلوات الله عليهم يحمدون إليهم فعلهم، ويرضون عليهم فيما تحروا من المحبة في الله.
ويعضده ما روينا في صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة: أنه غزا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك.
قال: فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر للوضوء، وحملت معه إداوة، ثم أقبلنا حتى نجد الناس قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم، فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين، فصلى مع الناس الركعة الأخيرة، فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم، ثم قال ((أحسنتم)) أو تفسيراً وبياناً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أحسنتم)) أو قال: ((قد أصبتم)). وأيضاً لا يبعد أن هذه الحالة في المحشر قبل دخول الناس الجنة أو النار لقوله:((لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس)) والعريف للاستغراق، فيحصل لهؤلاء الأمن والفراغ في بعض الأوقات ما لا يحصل لغيرهم لاشتغالهم بحال أنفسهم أو حال أمتهم، فيغبطونهم لذلك.
((قض)): ((الروح))، بضم الراء، قيل: أراد به هنا القرآن لقوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} سمي بذلك؛ لأنه يحيي به القلب كما يحيى بالروح البدن. والمعنى أنهم كانوا يتحابون بداعية الإسلام، ومتابعة القرآن فيما حثهم عليه موالاة المسلمين ومصادقتهم.
أقول: ويمكن أن يراد بالروح المحبة وما يتعاطون به من التواد والتحاب، أي تحابوا بما أوقع الله في قلوبهم من المحبة الخالصة لله تعالى. ومنه قوله تعالى:{فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً} قيل: سماه الله روحه على المجاز محبة له وتقريبا، كما تقول لحبيبك: أنت روحي.