٥٠٥٤ - وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس:((إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة)) رواه مسلم.
ــ
الحلم والعفو عنه، جرد منها مؤمنا كاملاً حازماً ذا شهامة، ونهاه عن ذلك تأنيباً، يعني ليس من شيمة المؤمن الحازم الذي يغضب لله ويذب عن دين الله أن ينخدع من مثل هذا الغادر المتمرد مرة بعد أخرى، فانته عن حديث الحلم، وأمضى لسانك في الانتقام منه والانتصار من عدو الله؛ فإن مقام التجربة والغضب لله يأبى الحلم والعفو. وإلى هذا المقام ينظر قوله صلى الله عليه وسلم:((الحليم ذو عثرة، والحكيم ذو تجربة)) وأنشد النابغة في هذا المعنى:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في أمر إذا لم يكن له حكيم إذا ما أورد الأمر أصدرا
ومن أوصافه صلوات الله عليه وما روت أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق:((ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها)) فظهر من هذا أن الحلم مطلقا غير محمود كما أن الجود كذلك. قال أبو الطيب:
فوضع الندى في موضع السيف بالعلى مضر كوضع السيف في موضع الندى
وفهم منه أن هناك مقاماً، التحلم والتساهل فيه محمود بل مندوب إليه. وذلك مع المؤمنين من استعمال العفو والحلم وخفض الجناح؛ قال الله تعالى:{وإذا ما غضبوا هم يغفرون} فيجتمع لهم لين الجانب مع الأولياء والغلظة مع الأعداء، قال الله تعالى:{أشداء على الكفار رحماء بينهم}{أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}. قال:
حليم إذا ما الحلم زين أهله مع الحلم في عين العدو مهيب
وإذا ذهب إلى مجرد الإخبار لم يكن هذا التأنيب والتعيير، فلم يفهم منه أن التحلم والتساهل في بعض المواضع مندوب إليه، وأن الانتقام والانتصار من أعداء الدين مأمور به، فظهر من هذا أن القول بالنهي أولى والمقام له أدعى وسلوك ما ذهب إليه الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله أوضح، وأهدى وأحق أن يتبع وأحرى. والله أعلم.
الحديث الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((والأناة)) الجوهري: أنى يأني في الأمر أي ترفق، والاسم الأناة مثل قناة، ورجل آن، على فاعل أي كثير الأناة والحلم. ((حس)): روى المنذر الأشج: قال: يا رسول الله! أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال:((بل الله جبلك عليهما)) قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين، يحبهما الله ورسوله.