للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٠٧٢ - وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) رواه البخاري.

ــ

الناس في هذا الحديث من حيث أن صاحب الحياء قد يستحيي أن يواجه بالحق من يجله ويعظمه، فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة.

والجواب ما أجاب به جماعة من العلماء، منهم شيخ أبو عمرو بن الصلاح: أن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز، وجوزوا تسميته حياء بحسب اللغة، وإنما حقيقة الحياء عن اصطلاح أهل الشرع: خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. يدل عليه ما روى الإمام أبو القاسم القشيري عن السيد الجليل أبي القاسم الجنيد رحمهما الله تعالى قال: الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء.

قال القاضي عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإيمان؛ لأنه قد يكون تخلقاً واكتساباً كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة، ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، وهذا هو المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم: ((الحياء من الإيمان)).

أقول: ويمكن أن يحمل التعريف فيه على العهد، ويكون إشارة إلى ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: ((الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما وعى البطن وما حوى)) الحديث.

الحديث الخامس عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((إن مما أدرك الناس)) ((من)) في ((مما)) ابتدائية، وهو خبر ((إن)) واسمه قوله: ((إذا لم تستحي)) على تأويل أن هذا القول حاصل مما أدرك الناس، والراجع إلى ((ما)) محذوف، و ((الناس)) فاعل ((أدرك)) وعليه كلام الشيخ التوربشتي، حيث قال المعنى أن مما بقى بين الناس فأدركوه من كلام الأنبياء. ويجوز أن يكون فاعل ((أدرك)) ضميراً راجعاً إلى ((ما)) و ((الناس)) مفعوله، وعليه كلام القاضي: أي مما بلغ الناس من كلام الأنبياء المتقدمين أن الحياء هو المانع عن اقتراف القبائح، والاشتغال بمنهيات الشرع ومستهجنات العقل. وقوله: ((إذا لم تستحي)) الجملة الشرطية اسم ((إن)) على الحكاية.

قوله: ((من كلام النبوة الأولى)) ((خط)): معناه: اتفاق كلام الأنبياء عليهم السلام على استحسان الحياء، فما من نبي إلا وقد ندب إليه وبعث عليه، ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم، ولم يبدل منها؛ وذلك أنه أمر قد علم صوابه، وبان فضله، واتفقت العقول على حسنه. وما كان هذا صفته لم يجر عليه النسخ والتبديل، وقيد النبوة بـ ((الأولى)) للإرشاد إلى اتفاق كلمة الأنبياء عليهم السلام على استحسانه من أولهم إلى آخرهم.

قوله: ((فاصنع ما شئت)) ((حس)): فيه أقاويل: أحدها: أن معناه الخبر، وإن كان لفظه

<<  <  ج: ص:  >  >>