للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٠٧٣ - وعن النواس بن سمعان، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم. فقال: ((البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)) رواه مسلم.

ــ

لفظ الأمر، كأنه يقوله: إذا لم يمنعك الحياء فعلت ما شئت مما تدعوك إليه نفسك من القبيح، وإلى هذا المعنى ذهب أبو عبيد. وثانيها: أن معناه الوعيد، كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} أي اصنع ما شئت فإن الله مجازيك، وإليه ذهب أبو العباس. وثالثها: معناه: أن تنظر إلى ما تريد أن تفعله، فإن كان ذلك مما لا يستحيي منه فافعله، وإن كان مما تستحيي منه فلا تفعله. وإليه ذهب أبو إسحاق المروزي.

وروى هذا الحديث جرير عن منصور بإسناده، ثم قال جرير: معناه: أن يريد الرجل أن يفعل الخير فيدعه حياء من الناس، كأنه يخاف مذهب الرياء يقول: فلا يمنعك الحياء من المضي لما أردت. قال أبو عبيد: هو شبيه بالحديث الآخر: ((إذا جاءك الشيطان وأنت تصلي فقال: إنك ترائى: فزدها طولا)).

أقول: قدر مر في الحديث السابق عن الشيخ محيي الدين النواوي: أن قانون الشرع في معنى الحياء يحتاج إلى اكتساب ونية، فينبغي أن يحمل الحديث على هذا المعنى. فالقانون فيه أنك إذا أردت أمراً أو اكتسبت فعلاً، وأنت بين الإقدام والإحجام فيه، فانظر إلى ما تريد أن تفعله، فإن كان ذلك مما لا يستحيي فيه من الله تعالى ولا من رسله وأنبيائه قديماً وحديثاً فافعله، ولا تبال من الخلق، وإن استحيت من الخلق. وإن كان مما يستحيي فيه من الله تعالى ومنهم فدعه، وإن لم يستحيي من الخلق فيه؛ ومن ثم صرح صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى)) فدخل الحديث إذاً في جملة جوامع الكلم التي استأثر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم.

الحديث السادس إلى الثامن عن النواس: قوله: ((البر حسن الخلق)). قيل: فسر البر في الحديث بمعان شتى: ففسره في موضع بما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وفسره في موضع بالإيمان، وفي موضع بما يقربك إلى أن تعالى، وهنا بحسن الخلق وفسر حسن الخلق باحتمال الأذى وقلة الغضب وبسط الوجه وطيب الكلام، وكلها متقاربة في المعنى.

((تو)): حاك أثر من الحيك وهو أخذ القول في القلب، يقال: ما تحيك فيه الملامة إذا لم تؤثر فيه، تريد أن الإثم ما كان في القلب منه شيء فلا ينشرح له الصدر، والأقرب أن ذلك أمر يتهيأ لمن شرح الله صدره للإسلام دون عموم المكلفين، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد: ((وإن أفتاك المفتون)).

<<  <  ج: ص:  >  >>