للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٠٨٨ - وعن سهل بن معاذ، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كظم غيظاً

ــ

قال الشيخ أبو حامد في الإحياء: اختلفوا في المخالطة والعزلة وتفضيل إحداهما على الأخرى: فقال أكثر التابعين باستحباب المخالطة واستكثار المعارف والأحوال: للتألف والتحبب إلى المؤمنين، والاستعانة بهم في الدين تعاونا على البر والتقوى. روى عن علي رضي الله عنه قال: عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة، ألا تسمع إلى قول أهل النار: {فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم} وهذا الحديث أدل شيء على استحباب المخالطة.

وما أكثر العباد والزهاد إلى اختيار العزلة وتفضيلها على المخالطة: قال عمر رضي الله عنه: خذوا بحظكم من العزلة. وقال فضيل: كفي بالله محباً وبالقرآن مؤنساً وبالموت واعظا، اتخذ الله صاحبا ودع الناس جانبا. وأوصى داود الطائي أبا الربيع فقال: صم عن الدنيا واجعل فطرك الآخرة، وفر من الناس فرارك من الأسد. وقال وهب بن الورد: بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت، والعاشرة في عزلة الناس. ودخل على حاتم الأصم بعض الأمراء فقال: ألك حاجة؟ قال: نعم! قال: ما هي؟ قال: أن لا تراني وقال ابن عباس: أفضل المجالس مجلس في قعر بيتك لا ترى ولا ترى، وأنشد

شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي قدس الله سره:

إن مدحت الخمول نبهت أقواما نياما يضايقوني إليه

هو قد دلني على لذة العيش فما لي أدل غيري عليه

وقال أيضاً:

خمولك يرفع عنك الأذى فكن قانعا أبدا بالخمول

فكم من علي في ذري شاهق من الغر يرحم عند النزول

وقال أيضا:

من أخمل النفس أحياها وأنعشها ولم يتب قط من أمر على خطر

إن الرياح إذا هاجت عواصفها فليس يرمي سوى العالي من الشجر

وقيل: آداب العزلة أربعة: أن ينوي بها كف شره أولا، ثم السلامة من الشر ثانيا، ثم الخلاص من الإخلال بالحقوق ثالثا، ثم التجرد بكنه الهمة للعبادة رابعاً.

الحديث الثالث عشر عن سهل رضي الله عنه: قوله: ((كظم)) ((نه)): كظم الغيظ تجرعه واحتمال سببه والصبر عليه. انتهى كلامه. وإنما حمد الكظم لأنه قهر للنفس الأمارة بالسوء!

<<  <  ج: ص:  >  >>