للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥١٠٥ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) متفق عليه.

ــ

المتكبر}، ومذموم: وذلك إذا كان متكلفاً متشبعاً لذلك، وهذا وصف عامة الناس نحو قوله تعالى: {فبئس مثوى المتكبرين}.

قال الشيخ أبو حامد: الكبر ينقسم إلى ظاهر وباطن، فإذا ظهر على الجوارح يقال: تكبر، وإذا لم يظهر، يقال في نفسه كبر. فالأصل هو الخلق الذي في النفس وهو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه! فإن الكبر يستدعي متكبراً عليه، ليرى نفسه فوقه في صفات المال ومتكبراً به. وبه ينفصل الكبر على العجب! فإن العجب لا يستدعي غير المعجب بل لو لم يخلق إلا وحده يتصور أن يكون معجباً ولا يتصور أن يكون متكبراً.

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا تغضب)) ((تو)): قد كان صلى الله عليه وسلم مكاشفا بأوضاع الخلق عارفا بأدواتهم يضع الهناء موضع النقب، يأمرهم بما هو أولى بهم. فلما استوصاه الرجل، وقد رآه مملوء بالقوة الغضبية لم ير له خيرا من أن يتجنب عن دواعي الغضب، ويزحزح نفسه عنه.

((قض)): لعله صلى الله عليه وسلم لما رأي أن جميع المفاسد التي تعرض للإنسان وتعتريه إنما تعرض له من فرط شهوته واستيلاء غضبه، والشهوة مكثروة بالنسبة إلى ما يقتضيه الغضب غير ملتفت إليها. فلما سأله الرجل أن يشير إليه بما يتوصل به إلى التجنب عن القبائح والتحرز عن مظانها، نهاه عن الغضب الداعي إلى ما هو أعظم ضرر وأكثر وزرا! فإن ارتفاع السبب يوجب ارتفاع مسبباته لا محالة. أقول: ويؤيد ما ذهب إليه القاضي الحديث الآتي.

الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بالصرعة)) ((نه)): الصرعة: بضم الصاد وفتح الراء المبالغ في الصرع الذي لا يغلب، فنقله إلى الذي يملك نفسه عند الغضب! فإنه إذا ملكها كان قد قهر أقوى أعدائه وشر خصومه! ولذلك قال: ((أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك)) وهذا من الألفاظ التي نقلها عن وضعها اللغوي بضرب من التوسع والمجاز، وهو من فصيح الكلام؛ لأنه لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ، وقد ثارت عليه شهوة الغضب فقهرها بحلمه وصرعها بثباته، كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>