للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥١٠٦ - وعن حارثة بن وهب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر)) متفق عليه. وفيه رواية لمسلم: ((كل جواظ زنيم متكبر)).

٥١٠٧ - وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله: ((لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر)) رواه مسلم.

ــ

الحديث الثالث عن حارثة: قوله: ((متضعف)) ((مح)): ضبطوه بفتح العين وكسرها، و ((المشهور الفتح، ومعناه يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجرءون عليه لضعف حاله في الدنيا، يقال: تضعفه واستضعفه. وأما على الكسر فمعناه متواضع متذلل خامل واضع من نفسه، والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء، كما أن معظم أهل النار القسم الآخر.

و ((العتل)): بضم العين والتاء الجافي الشديد الخصومة بالباطل. وقيل: ((الجافي)) الفظ الغليظ و ((الجواظ)): الجموع المنوع. وقيل: كثير اللحم المختال في مشيه. وقيل القصير البطين. وقيل: ((الفاخر)) بالخاء. و ((الزنيم)): الدعي في النسب الملصق بالقوم، وليس منهم تشبيهاً له بالزنمة وهي شيء يقطع من أذن الشاة ويترك معلقا بها. وقوله: ((لو أقسم على الله)) معناه: لو حلق يمينا طمعا في كرم الله تعالى بإبراره لأبره.

الحديث الرابع عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((مثقال)) هو مأخوذ من الثقل. والمراد وزن حبة، وهذا تمثيل للقلة. وفيه إشعار بأن الإيمان قابل للزيادة والنقصان، وله شعب كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة)). قوله: ((ولا يدخل الجنة)) ((خط)): للحديث تأويلان: أحدهما: أن يراد بالكبر الكفر والشرك. ألا ترى أنه قد قابله في نقيضه بالإيمان؟ وثانيهما: أن الله تعالى إذا أراد أن يدخله الجنة، نزع ما كان في قلبه من الكبر حتى يدخلها بلا كبر ولا غل في قلبه. وقوله: لا يدخل النار)) يعني به دخول تأبيد وتخليد.

أقول: الوجه الأول من باب المقابلة المعنوية وهو من أنفسها وأغربها؛ فإنه بالإيمان أشار إلى أن الكبر من صفات الكافرين المتمردين، فيجب أن يجتنب عنه، وبالكبر لمح إلى أن التواضع من سمات المؤمنين المحسنين، فينبغي أن يرغب فيه وهو الوجه؛ لأن القصد الأولى في سياق الكلام وإيراده إلى معنى الوصفين في الترغيب في أحدهما والتنفير عن الآخر لا إلى حكم الموصوفين، وإن لزمه تبعا، ومن الأسلوب قوله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله}.

<<  <  ج: ص:  >  >>