للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

ولم يخالف في ذلك إلا بعض الروافض، ولا يعتد بخلافهم، قال إمام الحرمين أبو المعالي: لا يكترث بخلافهم، ووجوبه بالشرع لا بالعقل، خلافا للمعتزلة. فمن وجب عليه وفعله ولم يمتثل المخاطب، فلا عتب بعد ذلك عليه؛ لكونه أدى ما عليه، وما عليه أن يقبل منه وهو فرض كفاية، ومن تمكن منه وتركه بلا عذر أثم.

وقد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. وكمن يرى زوجته أو ولد أو غلامه على منكر، قالوا: ولا يسقط عن المكلف لظنه أنه لا يفيد بل يجب عليه فعله؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وما على الرسول إلا البلاغ المبين. ولا يشترك في الآمر والناهي أن يكون كامل لحال ممتثلا ما يأمر به، ومجتنباً ما ينهى عنه، بل يجب عليه مطلقاً؛ لأن الواجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر؟

قالوا: ولا يختص ذلك بأصحاب الولايات بل هو ثابت على آحاد المسلمين؛ فإن السلف الصالح كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر، مع توقير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل به. ثم إنه يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة أو المحرمات المشهورة، كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوهما، فكل المسلمين عالم بها وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال، وما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء.

ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه الأئمة، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه؛ لأن على أحد المذهبين كل مجتهد مصيب. وينبغي للآمر والناهي أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب، فقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. وأما قوله: ((فبقلبه)) فمعناه: فليكرهه بقلبه، وليس ذلك بإزالة وتغيير، بل هي كراهة له؛ إذ ليس في وسعه التغيير إلا في هذا القدر. ومعنى ((أضعف الإيمان)): أقله ثمرة.

قال القاضي عياض: هذا الحديث أصل في مراتب التغيير، فحق المغير أن يتغير بكل وجه أمكنه قولا كان أو فعلا، فيكسر آلات الملاهي ويريق المسكر بنفسه، أو يأمر غيره به ويرفق في التغيير.

اعلم أن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم في الدين، به قوام الأمر وملاكه، وإذا [سد]، عم العقاب الصالح والظالم؛ قال الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.

<<  <  ج: ص:  >  >>