٥١٥٦ - وعن المستورد بن شداد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم؛ فلينظر بم يرجع؟)). رواه مسلم.
٥١٥٧ - وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجدي أسك ميت. قال:((أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟)) فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء. قال:((فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم)). رواه مسلم.
٥١٥٨ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)). رواه مسلم.
ــ
فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في قوله تعالى:{وقليل من عبادي الشكور} والشكر كما علمت في إزاء النعمة. وشكر العباد لله تعالى عبارة عن آداب الجوارح في طاعته وتحرى مراضيه بقلبه. والنداء على التحميد بلسانه وبناء المبالغة في الشكور ينبئ عن هذه الأقسام. والله أعلم.
الحديث الثاني عن المستورد رضي الله عنه: قوله: ((ما الدنيا في الآخرة)) أي مثل الدنيا في جنب الآخرة. قوله (فلينظر بم يرجع)) وضع موضع قوله: فلا يرجع بشيء، كأنه صلى الله عليه وسلم يستحضر تلك الحالة في مشاهدة السامع ثم يأمره بالتأمل والتفكر هل يرجع بشيء أم لا؟ هذا تمثيل على سبيل التقريب، وإلا فأين المناسبة بين المتناهي وغير المتناهي؟
الحديث الثالث عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((الأسك)) الأسك الصغير الأذن، ويقال للذي لا أذن له. قوله:((أيكم يحب؟)) في هذا الاستفهام إرشاد منه صلى الله عليه وسلم وتنبيه، ينبههم صلى الله عليه وسلم على إلقاء السمع للخطاب الخطير، وشهود القلب لما يعني به من الخطب الجليل؛ وهو هوان الدنيا ليوطن ذلك في قلوبهم مزيد توطين، ويقرره تقريراً بعد تقرير وهو على منوال قوله تعالى:{أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه}
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الدنيا سجن المؤمن)). ((فا)): أراد أن الدنيا للمؤمن كالسجن في جنب ما أعد له من المثوبة، وللكافر كالجنة في جنب ما أعدله من العقوبة. وقيل: إن المؤمن غرب نفسه عن الملاذ وأخذها بالشدائد، فكأنه في السجن، والكافر [روحها] في الشهوات فهي له كالجنة، انتهى كلامه. ولما مات داود الطائي، سمع هاتفا يهتف: أطلق داود من السجن.