٥١٥٩ - وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها الله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها)). رواه مسلم.
٥١٦٠ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره)). متفق عليه. إلا أن عند مسلم:((حفت)). بدل:((حجبت)).
ــ
قال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي: إن السجن والخروج منه يتعاقبان على قب العبد المؤمن على توالي الساعات ومرور الأوقات؛ لأن النفس كلما ظهرت بصفاتها أظلم الوقت على القلب حتى ضاق وانكمد، وهل السجن إلا تضييق وحجر من الخروج والولوج. فكلما هم القلب بالتبرز عن مشائم الأهواء الدنيوية والتخلص عن قيود الشهوات العاجلة؛ تسببا إلى الآجلة، وتنزها في قضاء الملكوت ومشاهدة للجمالة الأزلي، حجزه الشيطان المردود عن هذا الباب المطرود بالاحتجاب، فتدلى بحبل النفس الأمارة إليه فكدر صفو العيش عليه، وحال بينه وبين محبوب طبعه. وهذا من أعظم السجون وأضيقها؛ فإن من حيل بينه وبين محبوبه ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه؛ ولهذا المعنى أخبر الله تعالى عن جماعة من الصحابة، حيث تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات، فقال تعالى:{وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى ضاقت عليهم الأرض بم رحبت} الآية.
الحديث الخامس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((لا يظلم مؤمنا حسنة)) ((حس)): لا يظلم ولا ينقص، وهو متعدي إلى مفعولين: أحدهما ((مؤمنا)) والآخر ((حسنة)). ومعناه: أن المؤمن إذا اكتسب حسنة، يكافئه الله تعالى بأن يوسع عله رزقه ويرغد عيشه في الدنيا، وبأن يجزى ويثيب في الآخرة. والكافر إذا اكتسب حسنة في الدنيا، بأن يفك أسير أو ينقذ غريقا، يكافئه الله تعالى في الدنيا ولا يجزيه في الآخرة.
أقول: الباء في قوله: ((يعطي بها)) إن حملت على السببية فتحتاج إلى مقدر، أي يعطى بسببها حسنة، وإن حملت على البدل فلا. وأما الباء في ((يجزى بها)) فهي للسببية.
واعلم أن ((أما)) التفصيلية تقتضي التعدد لفظاً أو تقديراً. وقرينتها هاهنا الكلام السابق، والقرينتان واردتان على التقابل، فيقدر في كل من القرينتين ما يقابل الأخرى، ذكر في القرينة الثانية أن الكافر إذا صدرت منه حسنة يستوفي أجرها بكمالها في الدنيا، حتى لا يكون له نصيب في الآخرة قط. والمؤمن بخلافه إنما يجزى الجزاء الأوفي في الآخرة؛ ولذلك قيل: