٥١٦١ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، أن أعطي رضى، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش. طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن
ــ
((يجزى بها في الآخرة)) مصرحا، وما يناله في الدنيا من رغد العيش المشار إليه بقوله تعالى:{فلنحينه حياة طيبة} فهو فضل وحسان من الله تعالى؛ ولذلك قيل:((يعطى بها)) ولم يقل: ((يجزى بها)). وتحرير المعنى أن الله تعالى لا يظلم أحدا عمل حسنة، فأما المؤمن فيجزيه في الآخرة الجزاء الأوفي، ويفضل عليه في الدنيا. وأما الكافر فيجزيه في الدنيا الجزاء الأوفي وماله في الآخرة من نصيب. وإليه ينظر قوله تعالى:{من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها، وما له في الآخرة من نصيب}.
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((حجبت النار)) ((مح)): معناه لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار إلا بارتكاب الشهوات؛ ولذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات. وأم المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها، والصبر عن الشهوات ونحو ذلك. وأما الشهوات التي النار محفوفة بها، فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والغيبة ونحو ذلك، وأما الشهوات المباحة فلا تدخل في هذا.
الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((تعس)) ((نه)) تعس يتعس إذا عثر وانكب بوجهه، وقد تفتح العين وهو دعاء عليه بالهلاك ((وانتكس)) أي انقلب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة، لأن من انتكس في أمره فقد خاب وخسر. وإذا شيك أي إذا شاكته شوكة فلا يقدر على انتقاشها وهو إخراجها بالمنقاش. و ((الخميصة)) ثوب خز أو ثوب صوف معلم.
وقيل: لا يسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس قديماً، وجمعها الخمائص، انتهى كلامه. قيل: خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها، كالأسير الذي لا خلاص له عن أسره. ولم يقل: مالك الدينار أو جامع الدينار؛ لأن المذموم من الدنيا الزيادة على قدر الحاجة لا قدر الحاجة.
وقوله:((إن أعطى رضي، وإن لم يعط سخط)) يؤذن بشدة حرصه في جمع الدنيا، وطمعه فيما في أيدي الناس. وفي قوله:((تعس وانتكس)) صيغة الترديد مع الترقي. أعاد ((تعس)) الذي هو الانكباب على الوجه، ليضم معه الانتكاس الذي هو الانقلاب على الرأس؛ ليترقى في الدعاء عليه من الأهون إلى الأغلط. ثم ترقى منه إلى قوله:((وإذا شيك فلا انتقش)) على معنى