عين الشمس فثلطت وبالت ثم عادت فأكلت وإن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيداً عليه يوم القيامة)). متفق عليه.
ــ
وبالت)) فحذف ما حذف في المرة الثانية لدلالة ما قبلها عليه. وفيه إرشاد إلى أن المحمود العاقبة وإن تكرر منه الخروج عن حد الاقتصاد والقرب من حد الإسراف مرة بعد أولى وثانية بعد أخرى لغلبة الشهوة عليه وقوتها فيه، لكنه يمكن أن يبعد بمشيئة الله تعالى عن الحد المذموم الذي هو الإسراف، ويقرب من الاقتصاد الذي هو الحد المحمود.
أقول: فعلى هذا الاستثناء متصل، لكن يجب التأويل في المستثنى، المعنى أن من جملة ما ينبت الربيع شيئاً يقتل آكله إلا الخضر منه، إذا اقتصد فيه آكله ودفع ما يؤديه إلى الهلاك.
قوله:((إن هذا المال خضرة حلوة))، ((تو)): كذلك ترويه من كتاب البخاري على التأنيث، وقد روى أيضاً ((خضر حلو)) والوجه فيه أن يقال: إنما أنث على معنى تأنيث المشبه به، أي إن هذا المال شيء كالخضرة. وقيل: معناه كالبقلة الخضرة، أو يكون على معنى فائدة المال، أي إن الحياة به أو العيشة خضرة.
أقول: ويمكن أن يعبر عن لمال بالدنيا، لأنه أعظم زينتي الحياة الدنيا. لقوله تعالى:{المال والبنون زينة الحياة الدنيا} فيوافق حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم)) على ما مر في الباب السابق.
ثم الحديث يستدعي فضل تقرير وتحرير، فالاستفهام في قولهم ((أو يأتي الخير بالشر)) استرشاد منهم؛ ومن ثم حمد صلى الله عليه وسلم السائل. والباء في ((بالشر)) صلة ((يأتي)) يعني هل يستجلب الخير الشر؟. وجوابه صلى الله عليه وسلم:((لا يأتي الخير بالشر)) معناه: لا يأتي الخير بالشرـ لكن قد يكون سبباً له ومؤدياً إليه؛ فإن الربيع قد ينبت أحرار العشب والكلأ فهي كلها خير في نفسها، وإنما يأتي الشر من قبل الآكل، فمن آكل مستلذ مفرط منهمك فيها. بحيث تنتفخ فيه أضلاعه وتمتلئ خاصرتاه ولا تقلع عنه فيهلكه سريعا. ومن آكل كذا فيشرفه إلى الهلاك، ومن آكل مسرف حتى تنتفخ خاصرتاه، لكنه يتوخى إزالة ذلك ويتحيل في دفع مضرتها حتى ينهضم ما أكل، ومن آكل غير مفرط ولا مسرف يأكل منها ما يسد جوعته، ولا يسرف فيه حتى يحتاج إلى دفعه.
الأول مثل الكافر؛ ومن ثمة أكد القتل بالحبط أي يقتل قتلا حبطا، والكافر هو الذي يحبط