٥٢١٥ - وعن علي [رضي الله عنه] قال: ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. رواه البخاري في ترجمة باب.
٥٢١٦ - وعن عمرو [رضي الله عنه] أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فقال في خطبته: ((ألا إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق، ويقضي فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار، ألا فاعملوا وأنتم من الله على حذر، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) رواه الشافعي.
ــ
تحقير شأن الدنيا ووشك زوالها. وفي قوله:((وهذه الآخرة)) إشارة إلى تعظيم أمر الآخرة وقرب نزولها. قوله:((فإن استطعتم)) يعني بينت لكم حال الدنيا من غرورها وفنائها وحال الآخرة من نعيمها وبقائها، وجعلت زمام الاختيار في أيديكم فاختاروا أيا ما شئتم. وكان من حق الظاهر أن يقال: فإنكم اليوم في دار الدنيا ولا حساب، فوضع دار العمل موضعها ليؤذي بأن الدنيا ما خلقت إلا للعمل والتزود منها للدار الآخرة، ولم يعكس ليشعر بأن الدار هي الدار الآخرة. وهذا الحديث رواه جابر مرفوعا، وفي رواية البخاري عن علي رضي الله عنه كما سيأتي موقوف. وهذا الحديث أيضا يدل على أن حديث علي رضي الله عنه أيضا مرفوع.
الحديث السابع عشر، والثامن عشر عن عمرو رضي الله عنه: قوله: ((عرض)) ((غب)): العرض ما لا يكون له ثبات ومنه استعار المتكلمون قولهم: العرض لما لا ثبات له إلا بالجوهر كاللون والطعم. وقيل:((الدنيا عرض حاضر)) تنبيها على أن لا ثبات لها. قوله:((ألا وإن الآخرة)) حرف التنبيه هنا مقحم، وما بعده معطوف على قوله:((إن الدنيا)) قوبلت القرينة السابقة بقوله: ((ألا وإن الآخرة)) إلى قوله: ((ملك قادر)). والأجل الوقت المضروب الموعود وصفه بالصدق دلالة على تحققه وثباته وبقائه، ثم أتبعه بقوله:((يقضي فيها ملك قادر)) يميز بين البر والفاجر فيثيب البر ويعاقب الفاجر، وإليه أشار في الحديث الآتي بقوله:((يحق فيها الحق ويبطل الباطل)).
((غب)): يستعمل التصديق في كل ما فيه تحقيق؛ يقال: صدقني فعله وكتابه. وفي المثل:((صدقني سن بكره)) وصدق في القتال إذا وفي حقه، وفعل على ما يجب وكما يجب. قوله: