للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٢٨ - وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من

ــ

وردوه يمدون برائحة الجنة تقوية لقلوبهم، وتسلية لهمومهم، على مقدار مراتبهم، وهذا البائس المبتغي للأغراض الفانية يكون كصاحب أمراض حادثة في دماغه، مانعة من إدراك الروائح، لا يجد رائحة الجنة، ولا يهتدي إليها لأمر أمراض قلبه.

أقول: قوله ((لا يتعلمه)) حال إما من فاعل ((تعلم))، ومن مفعوله؛ لأنه تخصيص بالوصف، ويجوز أن يكون صفة أخرى لـ ((علماً)). وفيه أن من تعلم لرضى الله مع إصابة العرض الدنيوي لا يدخل تحت هذا الوعيد؛ لأن ابتغاء وجه الله تعالى يأبى إلا أن يكون متبوعاً غالباً، فيكون العرض تابعاً، قال الله تعالى: ((من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة)). فيه تقريع وتوبيخ للمريد؛ لأن من تعلم العلم أو جاهد لينال عرضاً من أعراض الدنيا يجب أن يوبخ، ويقال في حقه: ما هذه الدناءة؟ أرضيت بالخسيس الفاني وتركت الرفيع الباقي؟ ما لك لا تريد به وجه الله وطلب مرضاته ليمنحك ما تريده، ويتبعه هذا الخسيس أيضاً؟ راغماً أنفه، كما ورد: ((من كان همه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وتأتيه الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرق الله ضيعته عليه)). ووصف العلم بـ ((ابتغاء وجه الله)) يجوز أن يكون للتفضلة والتمييز، فإن بعضاً من العلوم مما يستعاذ منه، كما ورد: ((أعوذ بالله من علم لا ينفع)). ويجوز أن يكون للمدح، كما ورد: ((العلوم ثلاثة)) والوعيد من باب التغليظ والتهديد. سمعت بعض العلماء الزاهدين يقول: من طلب الدنيا بالعلوم الدنيوية كان أهون عليه من أن يطلبها بغيرها من العلوم، فهو كمن جر جيفة بآلة من آلات الملاهي، وذاك كمن جرها بأوراق تلك العلوم. ومثله ما روى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن بعضهم: ((لأن تطلب الدنيا بالدف والمزمار خير من أن تطلبها بدينك)) والله أعلم بالصواب.

الحديث الرابع عشر عن ابن مسعود: قوله: ((نضر الله)) ((تو)): النضرة الحسن والرونق، يتعدى ولا يتعدى، وروي بالتخفيف والتشديد، والمعنى خصه تعالى بالبهجة والسرور لما رزق بعلمه ومعرفته، من القدر والمنزلة بين الناس في الدنيا ونعمة في الآخرة، حتى يرى عليه رونق الرخاء ورفيف النعمة. وإنما خص حافظ سنته ومبلغها بهذا الدعاء؛ لأنه سعى في نضارة العلم وتجديد السنة، فجازاه في دعائه له بما يناسب حاله في المعاملة.

قوله: ((ووعاها)) ((خط)): وعى يعي وعياً إذا حفظ كلاماً بقلبه، ودام على حفظه ولم ينسه. قوله: ((ورب حامل فقه)) ((رب)) وضعت للتقليل، فاستعيرت في الحديث للتكثير. وقوله: ((إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>