للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولكل شرة فترة، فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه)) رواه الترمذي. [٥٣٢٥]

٥٣٢٦ - وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بحسب امرئ من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصمه الله)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [٥٣٢٦]

ــ

المستقيم واجتنب جانبي إفراط الشرة وتفريط الفترة فارجوه، ولا تلتفتوا إلى شهرته فيما بين الناس واعتقادهم فيه.

[أقول]: قد ذهب إلى أن الشرطية الثانية من تتمة الأولى، فلعل الظاهر أن يكون مثلها في الاستقلال فيكون تفصيلا لذلك المجمل؛ فإن قوله: ((إن لكل شيء شرة)) إلخ معناه: إن لكل شيء من الأعمال الظاهرة والأخلاق الباطنة طرفين: إفراطا وتفريطا، فالمحمود القصد بينهما، فإن رأيت أحدا يسلك سبيل القصد، فارجوه أن يكون من الفائزين ولا تقطعوا له؛ فإن الله هو الذي يتولى السرائر. وإن رأيته يسلك سبيل الإفراط والغلو حتى يشار إليه بالأصابع فلا تفشو القول فيه بأنه من الخائنين؛ فإن الله هو الذي يطلع على الضمائر. ويؤيد هذا التأويل الحديث الذي يليه والاستثناء فيه، وترك ما للقسم الثالث، ولم يذكره لظهوره.

الحديث الثامن عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((من الشر أن يشار إليه)) أي حب الرئاسة والجاه في قلوب الناس، وهو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها، يبتلى به العلماء والعباد، والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة؛ فإنهم مهما قهروا أنفسهم وفطموها عن الشهوات وصانوها عن الشبهات، وحملوها بالقهر على أصناف العبادات، عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة الواقعة على الجوارح، فطلبت الاستراحة إلى الظاهر بالخير وإظهار العلم والعمل، فوجدت مخلصا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق، ولم تقنع باطلاع الخالق، وفرحت بحمد الناس ولم تقنع بحمد الله وحده، فأحب مدحهم وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقديمه في المحافل، فأصابت النفس في ذلك أعظم اللذات وألذ الشهوات، وهو يظن أن حياته بالله تعالى وبعبادته. وإنما حياته هذه [الشهوة] الخفية التي تعمى عن دركها إلا العقول النافذة، قد أثبت اسمه عن الله تعالى من المنافقين، وهو يظن أنه عند الله من عباده المقربين. وهذه مكيدة للنفس لا يسلم عنها إلا الصديقون؛ ولذلك قيل: آخر

<<  <  ج: ص:  >  >>