٢٢٩ - ورواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمي، عن زيد ابن ثابت. إلا أن الترمذي، وأبا داود لم يذكرا:((ثلاث لا يغل عليهن)) إلى آخره.
ــ
لأنه أنبأ عن الله، وقيل: إنه مشتق من النباوة، وهو الشيء المرتفع، وإنما رد عليه ليختلف اللفظان، ويجمع له التباين من معنى النبوة والرسالة، ويكون تعديداً للنعمة في الحالتين، وتعظيماً للمنة على الوجهين.
وقال أبو الحسن الهروي في دلائل النبوة: وهذا القسم من الفصاحة موجود في القرآن والخطب، وكلام البلغاء، فإن من سمع كلام غيره عرف صاحبه، وفرق بين من طبعه وبين غيره، كما هو مشهور بين جرير والفرزدق، ومنه قوله تعالى:((والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى)) فتفكر في ألفاظها وحسن مواقعها، هل تجد لفظة لو أبدل مكانها غيرها ناب منابها؟ إذ لو قيل: والكوكب إذا سقط، أو غرب، أو أفل، وقيل: ما زاغ نبيكم عن الهوى، أو ما أخطأ رسولكم، أو قيل: ما حاد رسولكم عن الرشد، وما أشبه ذلك هل يغني غناء ما عليه النظم المعجز؟ وهل تجد له طراوة وطلاوة؟ كلا! وعليه فقس جميع الآيات والكلام النبوي. ونعم ما قال من قال: لكل مقام مقال، ولكل لفظة مع صاحبتها مجال.
هذا واتفقت الفصحاء من علماء البيان أن للألفاظ أيضاً خواص كما للأدوية، أودعها الله تعالى فيها بلطفه وحكمته، فإذا تحرى الطبيب الحاذق تركيباً حدد وعين أوزان الأدوية وأعددها، كالترياق الأكبر، فإذا نقص أو زيد على القدر المحدود أو غير وبدل دواء بغيره لم تحصل تلك الفائدة المقصودة من ذلك التركيب.
وسمعت مشايخنا يقولون: في الأسماء التسعة والتسعين وتخصيص عددها فوائد، لا ينبغي أن يزاد عليها ولا ينقص، ومن ثم أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم التسعة والتسعين بقوله:((مائة إلا واحدة)). مثالها كوالد أوصى ولده: إني دفنت لك دفينة في موضع كذا، فإذا خطوت كذا خطوات فزت بها، فالولد إن نقص من تلك الخطوات شيئاً أو زاد عليها شيئاً لم يفز بها.
وأن الأطناب والإيجاز، والحذف والإضمار، والتقديم والتأخير، والحصر وعدمه، لاسيما توسيط العاطف بين الجمل وعراها عنه، وطريق المجازات، والكنايات، والتشبيهات، والتحسين الراجع إلى اللفظ والمعنى باب ذو ذيول، وكلام ذو أطراف، قلما يقف عليه إلا المهرة من علماء البيان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد، وأوتي جوامع الكلم، وكلامه مصبوب في هذه الأساليب، ومسبوك في هذه الأقاليب، فلابد من مراعاتها. ((والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل)).