للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ــ

وقال الآخر: عن أبي هريرة يرفعه. وهذا بمعنى ذلك عند أهل العلم، ولكن أراد مسلم أن لا يروى بالمعنى؛ فإن الرواية بالمعنى حرام عند جماعات من العلماء، وجائزة عند الأكثرين، إلا أن الأولى اجتنابها.

أقول- والله أعلم-: في قول محيي السنة: رخص بعضهم، وفي قول محيي الدين: الأولى، إيذاناً بأن العزيمة هو الاحتياط، وأداء اللفظ بعينه، وعليه دل ظاهر الحديث من وجوه أحدها: نفس الدعاء، فإنه ينبئ عن عدم التغيير، لأنه لو وضع موضع ((نضر الله)) رحم الله، أو غفر الله له، وما شاكلهما، لفاتت المنسبة، فإن من حفظ ما سمعه ووعاه وأداه كما سمع من غير تغيير كأنه جعل المعنى غضاً طرياً، ومن بدل وغير فقد جعله مبتذلاً ذاوياً.

وثانيها: اختصاص العبد بالذكر دون امرئ مسلم، بمعنى الاستكانة والمضي لأمر الله تعالى ورسوله بلا امتناع، وعدم استنكاف من أداء ما سمع إلى من هو أعلم منه، فإن حقيقة العبودية مشعرة بذلك، ومن ثم ورد قوله: ((بين العبد والكفر ترك الصلاة)) ولم يقل: بين الإيمان والكفر ترك الصلاة، وهو الظاهر.

وثالثها: المقالة خصت من بين الكلام، والحديث، والخبر، لأن حقيقة القول هو المركب من الحروف المبرزة، مفرداً كان أو مركباً، ليدل على وجوب أداء اللفظ المسموع، وينصره الحديث الآتي: ((فيبلغه كما سمعه)).

ورابعها: أن إرداف ((ووعاها)) ((حفظها)) مشعر بمزيد التقرير؛ لأن الوعي إدامة الحفظ وعدم النسيان. وأوثر ((أدائها)) على ((رواها)) و ((بلغها)) ونحوهما دلالة على أن تلك المقالة مستودعة عنده، واجب أداؤها إلى من أهو أحق بها وأهلها، غير مغير ولا متصرف فيها.

وخامسها: تخصيص ذكر الفقه دون العلم؛ ليؤذن بأن الحامل غير عار عن العلم؛ إذ الفقه علم بدقائق العلوم المستنبطة من الأقيسة، ولو قيل: غير عالم، لزم جهله.

وسادسها: تكرير ((رب))، وإناطة كل بمعنى يخصها، فإن السامع أحد رجلين: إما أن لا يكون فقيهاً فيجب عليه أن لا يتغير؛ لأنه غير عارف بالألفاظ المترادفة، فيخطئ فيه، أو يكون عارفاً بها، لكنه غير بليغ، فربما يضع أحد المترادفين موضع الآخر، ولا يقف على رعاية المناسبات بين لفظ ولفظ، فإن المناسبة لها خواص ومعان لا يقف عليها إلا ذو دراية بأقانين النظم؛ لأنه يستنبط من ذلك اللفظ المغير أحكامه وأسراراً لا يستنبطها غيره.

فإن شئت فتأمل ما رويناه عن البخاري أن البراء بن عازب دعا بقوله: ((اللهم إني أسلمت نفسي إليك)) فلما انتهى إلى قوله: ((بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت)) قال: ((ورسولك الذي أرسلت)) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا، ونبيك الذي أرسلت)) أي لا تقل: ورسولك، بل قل: ونبيك ((نه)) قيل: إن النبي فعيل بمعنى فاعل للمبالغة من: النبأ الخبر،

<<  <  ج: ص:  >  >>