الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، وإن الله أمرني أن أحرق قريشا، فقلت:[يا] رب! إذا يثلغوا رأسي، فيدعوه خبزة، قال: استخرجهم كما أخرجوك واعزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث حمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك)). رواه مسلم.
٥٣٧٢ - وعن ابن عباس، قال: لما نزلت {وأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}، صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فجعل ينادي:((يا بني فهر! يا بني عدي!)) لبطون قريش حتى اجتمعوا
ــ
وقوله:((لأبتليك وأبتلي بك)) أي لأمتحنك وأمتحن الناس بك. ((وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء))، أي كتابا محفوظا في القلوب لا يضمحل بغسل القراطيس، أو كتابا مستمرا متداولا بين الناس ما دامت السموات والأرض، لا ينسخ ولا ينسى بالكلية. وعبر عن إبطال حكمه وترك قراءته والإعراض عنه بغسل أوراقه بالماء على سبيل الاستعارة، أو كتابا واضحا آياته بينا معجزاته لا يبطله جور جائر ولا تدحضه شبهة مناظر، فمثل الإبطال معنى بالإبطال صورة. وقيل: منى به غزارة معناه وكثره جدواه من قولهم: مال فلان لا تفنيه الماء والنار.
((تقرؤه نائما ويقظان)) أي يصير لك ملكة بحيث يحضر في ذهنك وتلتفت إليه نفسك في أغلب الأحوال، فلا تغفل عنه نائما ويقظان، وقد يقال للقادر على الشيء الماهربه: هو يفعله نائما. ((وإن الله أمرني أن أحرق قريشا)) أي أهلكهم يريد به كفارهم. ((إذا يثلغوا رأسي)) أي يشدخوه فيتركوه بالشدخ مصفحا كخبزة.
((ونغزك)): ((ما لم أنزل به سلطانا)) أي لا إنزال سلطان ولا شريك على أسلوب قوله:
على لا حب لا يهتدى بمناره ولا يرى الضب بها ينحجر
أي لا منار ولا اهتداء به وقوله: أي لا ضب ولا انحجار نفيا للأصل والفرع.
الحديث الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((لبطون قريش)) واللام فيه بيان، كما في قوله تعالى:{لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} كأنه قيل: لمن؟ قيل:((لبطون قريش)).