أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير على قلبين: أبيض بمثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز، مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه)). رواه مسلم.
ــ
عودا)) أي يعاد ويكرر شيئاً بعد شيء. قال ابن سراج: ومن رواه بالذال المعجمة فمعناه سؤال الاستعاذة منها، كما يقال: غفرا غفرا، أي نسألك أن تعيذنا من ذلك وأن تغفر لنا.
وقال الخطابي: معناه: يظهر على القلوب، أي يظهر لها فتنة بعد أخرى كما ينسج الحصير عوداً وعوداً وشطبة بعد أخرى.
قال القاضي عياض: وعلى هذا تترجح رواية ضم العين؛ وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودا أخذ آخر ونسجه. فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحداً بعد واحد. و ((أشربها)) أي دخلت فيه دخولا تاما وألزمها وحلت منه محل الشراب. ومنه قوله تعالى:{وأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ} أي حب العجل. و ((أنكرها)) أي ردها. ((قض)): ((حتى يصير)) أي جنس الإنسان على قسمين: قسم ذو قلب أبيض كالصفاء، وقسم ذو قلب اسود مربداً.
((مظ)): الضمير في ((يصير)) أي تصير القلوب على نوعين: أحدهما أبيض وثانيهما: أسود. ((تو)): ((الصفا)): الحجارة الصافية الملساء. وأريد به هاهنا النوع الذي صفا بياضه.
وعليه نبه بقوله:((أبيض)) وإنما ضرب المثل به؛ لأن الأحجار إذا لم تكن معدنية لم تتغير بطول الزمان. ولم يدخلها لون آخر. لا سيما النوع الذي ضرب به المثل، فإنه أبدا على البياض الخالص الذي لا تشوبه كدرة. والربدة لون بين السواد والغبرة. ومنه ظليم أربد وقد أربد اربداداً، أي تلون وصار على لون الرماد. وإنما وصف القلب بالربدة؛ لأنه أنكر ما يوجد من أنواع السواد، بخلاف ما تشوبه صفا ويعلوه طراوة من النوع الخالص.
((مح)): قال القاضي عياض: ليس تشبيهه بالصفا بيانا لبياضه، لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء. وأما قوله:((مربادا)) فكذا هو في روايتنا وأصول بلادنا. وهو منصوب على الحال.
وذكر القاضي عياض خلافا في ضبطه، فإن منهم من ضبطه كما ذكرناه ومنهم من رواه ((مربئداً)) بهمزة مكسورة بعد الباء. وأصله أن لا يهمز. ويكون مربدا مثل مسوداً ومحمراً لأنه من