٢٣٩ - وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العلم ثلاثة: آية
ــ
قال الكواشي: لو قيل: ما معنى {لا ريب فيه}؟ فتقول: لا شك، فهذا تفسير. فإن قيل: قد نفيت الريب وقد ارتابوا؟ فإن أجبت أنه في نفس صدق، وإذا تؤمل وجد كذلك، فانتفى عنه الريب، فهذا تأويل تلخيصه: التفسير ما يتعلق بالرواية، والتأويل ما يتعلق بالدراية. والحد هو المقام الذي يقتضي اعتبار كل من الظهر والبطن فيه، فلا محيد عنه. والمطلع المكان الذي يشرف منه على توفية خواص كل مقام حقه، وليس للحد والمطلع انتهاء؛ لأن غايتهما طريق العارفين بالله، وما يكون سراً بين الله تعالى وبين المصطفين من أنبيائه وأوليائه. فمطلع الظاهر تعلم العربية، والتمرن فيها، وتتبع ما يتوقف عليه معرفة الظاهر والنقل، ومطلع الباطن بتصفية النفس بالرياضة.
ويؤيد هذا التأويل قول محي السنة في معالم التنزيل: قيل: الظهر لفظ القرآن، والبطن تأويله، والمطلع الفهم، وقد يفتح الله على المتدبر والمتفكر من التأويل والمعاني ما لا يفتحه على غيره، {وفوق كل ذي علم عليم}. والتفهم يكون بصدق النية، وتعظيم الحرمة، وطيب الطعمة. وفي شرح السنة: قال أبو الدرداء: لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً كثيرة. والله أعلم.
الحديث الثاني والعشرون عن عبد الله بن عمرو: قوله: ((العلم ثلاثة)) ((غب)): العلم إدراك الشيء بحقيقته، وذلك ضربان: أحدهما إدراك ذات الشيء، والثاني الحكم على الشيء بوجود شيء هو موجود له، أو نفي شيء هو منفي عنه، فالأول هو المتعدى إلى مفعول واحد، نحو قوله تعالى:{لا تعلمهم نحن نعلمهم}، والثاني إلى مفعولين، نحو قوله تعالى:{فإن علمتموهن مؤمنات} - انتهى كلامه. والتعريف في ((العلم)) للعهد، وهو ما علم من الشارع أنه ما هو، وهو العلم النافع في الدين، فإذن العلم مطلق يجب أن يقيد بما يفهم منه المقصود، فيقال: علم الشريعة معرفة بثلاثة أشياء، والتقسيم حاصر، وبيانه أن قوله:((آية محكمة)) يشتمل على معرفة كتاب الله تعالى وما يتوقف عليه معرفته؛ لأن المحكمة هي التي أحكمت عبارتها، بأن حفظت من الاحتمالات والاشتباه، وكانت أم الكتاب أي أصله، فتحمل المتشابهات عليها، أو ترد إليها، ولا يتم ذلك إلا للماهر الحاذق في علم التفسير والتأويل، الحاوي لمقدمات يفتقر إليها من الأصولين وأقسام العربية.