ثم قال ابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ فرصه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:((آمنت بالله وبرسله)) ثم قال لابن صياد: ((ماذا ترى؟)) قال: يأتيني صادق وكاذب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((خلط عليك الأمر)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إني خبأت لك خبيئا)). وخبأ له:{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ}. فقال: هو الدخ. فقال:((اخسأ فلن تعدو قدرك)). قال عمر: يا رسول الله! أتأذن لي فيه أن أضرب عنقه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن يكن هو لا تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله)). قال ابن عمر: انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيها ابن
ــ
قوله:((خلط)) ((مح)): أي ما يأتي به شيطانك مخلط. ((خط)): معناه: أنه كان له تارات يثيب في بعضها ويخطئ في بعضها، فلذلك التبس عليه الأمر. ((مح)): ((الدخ)) بضم الدال وتشديد الخاء وهي لغة في الدخان. ومعنى ((خبأت)) أضمرت لك اسم الدخان، والصحيح المشهور أنه صلى الله عليه وسلم أضمر له آية الدخان وهي قوله تعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ}.
قال القاضي: وأصح الأقوال أنه لم يأت من الآية التي أضمرها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب؛ ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:((اخسأ فلن تعدو قدرك)) أي القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء [أي] بعض الشيء.
أقول:[يعني] قدرك أن لا تتجاوز عن إظهار الخبيئات على هذا الوجه كما هو دأب الكهنة، فلا تتجاوز منها إلى دعوى النبوة، فتقول: أشهد أني رسول الله، فهنا نكتة سنذكرها في الحديث الذي يتلوه ((تو)): ((اخسأ)) كلمة زجر واستهانة أي اسكت صاغرا مدحورا.
قوله:((إن يكن هو لا تسلط عليه)) ((قض)): ((إن يكن هو)) الضمير للدجال ويدل عليه ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن يكن هو فلست صاحبه إنما صاحبه عيسى بن مريم عليه السلام، وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد)) وهو خبر كان واسمه مستكن فيه، وكان حقه: إن يكنه، فوضع المرفوع المنفصل موضع المرفوع المتصل عكس قولهم: لولاه. ويحتمل أن يكون تأكيدا للمستكن، والخبر محذوفا على تقدير: إن يكن هو هذا.
أقول: ويجوز أن يقدر: إن يكن هو الدجال، و ((هو)) ضمير فصل أو مبتدأ والدجال خبره والجملة خبر كان.