داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً. فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد! وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه)) قال:((فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأخرج، فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة، فأستأذن على ربي في داره، فيؤذي لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد! وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه)) قال: ((فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع؛ فيحد لي حداً، فأخرج، فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من قد حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود، ثم تلا هذه الآية {عسى أن يبعثك الله مقامًا محموداً} قال: ((وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم)) متفق عليه.
ــ
النقلة عن موقف الخوف في القيامة إلى موقف الشفاعة والكرامة، وذلك مثل الذي يتحرى الدعاء في مواقف الخدمة ليكون أحق بالإجابة.
قوله:((فيحد لي حداً)) تو: يريد أنه يبين لي في كل طور من اطوار الشفاعة حداً أقف عنده فلا أتعداه، مثل أن يقول:((شفعتك فيمن أخل بالجماعات))، ثم يقول:((شفعتك فيمن أخل بالصلوات)) ومثله فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى، وعلى هذا ليريه علو الشفاعة في عظم الذنب على ما فيه من الشفاعة.
قوله:((فأخرجهم من النار)) فإن قلت: دل أول الكلام على أن المستشفعين هم الذين حبسوا في الموقف وهموا وحزنوا لذلك وطلبوا أن يخلصهم من ذلك الكرب، ودل قوله:((فأخرجهم من النار)) على أنهم من الداخلين فيها، فما وجهه؟
قلت: فيه وجهان:
أحدهما: لعل المؤمنين صاروا فرقتين، فرقة سير بهم إلى النار من غير توقف، وفرقة حبسوا في المحشر واستشفعوا به صلى الله عليه وسلم فخلصهم مما هم فيه وأدخلهم الجنة، ثم شرع في شفاعة الداخلين في النار زمراً بعد زمر، كما دل عليه قوله:((فيحد لي حداً إلخ)) فاختصر الكلام، وهو من حلية التنزيل وقد ذكرنا قانوناً في فتوح الغيب في سورة هود يرجع إليه في مثل هذا الاختصار.
وثانيهما: أن يراد بالنار الحبس والكرب، وما كانوا فيه من الشدة ودنو الشمس إلى رءوسهم وحرها وسفعها، وإلجامهم بالعرق، وبالخروج الخلاص منها - والله أعلم-.