٥٦٠٥ - وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن رجلين ممَّن دخل النار اشتد صياحهما، فقال الربُّ تعالى: أخرجوهما. فقال لهما: لأي شيء اشتد صياحُكما؟ قالا: فعلنا ذلك لترحمنا. قال: فإنَّ رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار، فيُلْقي أحدهما نفسه، فيجعلها الله عليه بردًا وسلامًا، ويقوم الآخر، فلا يُلقي نفسه، فيقول له الرب تعالى: ما منعك أن تلقى نفسك كما ألقى صاحبك؟ فيقول: رب! إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني منها. فيقول له الرب تعالى: لك رجاؤك فيدحلان جميعًا الجنة برحمة الله)). رواه الترمذي. [٥٦٠٥]
٥٦٠٦ - وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يردُ الناسُ النار، ثم يصدرون منها بأعمالهم، فأولهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحُضر الفرس، ثم كالراكب في رحله، ثم كشدِّ الرجلِ، ثم كمشيه)). رواه الترمذي، والدارمي. [٥٦٠٦]
ــ
قلت: هذا من حمل السبب على المسبب، وتحقيقه أنهما لما فرطا في جنب الله وقصرا في العاجلة في امتثال أمره، أمرا هنالك بالامتثال في إلقاء أنفسهما في النار إيذانًا بأن الرحمة إنما هي مترتبة على امتثال أمر الله عز وجل.
الحديث الرابع عشر عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((يرد الناس)) تو: الورود لغة قصد الماء ثم يستعمل في غيره، والمراد هنا الجواز على جسر جهنم، وقد بينه بما بعده من قوله:((فأولهم كلمح البرق ...)) إلى تمام الحديث، وإنما سماه ورودًا لأن المارة على الصراط يشاهدون النار ويحضرونها، تقول: وردت ماء كذا، إذا حضرته وإن لم تشرع فيه.
ومعنى قوله:((يصدرون منها)) أي ينصرفون عنها، فإن الصدر إذا عدى بمن اقتضى الانصراف على الاتساع، ومعناه النجاة منها بأعمالهم إذ ليس هناك انصراف وإنما هو المرور عليها، فوضع الصدر موضع النجاة منها للمناسبة التي بين الصدر والورود.
أقول: ثم في قوله: ((ثم يصدرون)) مثلها في قوله تعالى: {ثم ننجى الذين اتقوا} في أنها للتراخي في الرتبة لا الزمان. بين الله تعالى التفاوت بين ورود الناس النار وبين نجاة المتقين منها، لذلك بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاوت بين ورود الناس النار وبين صدورهم منها على أن المواد بالصدور الانصراف، ولهذا عدى بمن ولم يعد بعن.