قال الإمام أبو الحسن الواحدي: قال المفسرون: هذا إخبار عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ليلة المعراج، قال ابن عباس وأبو ذر وإبراهيم التيمي رآه بقلبه، وعلى هذا رأي بقلبه ربه رؤية صحيحة وهو أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده، أو خلق لفؤاده بصرًا حتى رأي ربه رؤية صحيحة كما يرى بالعين.
قال: ومذهب جماعة من المفسرين أنه رأي بعينه، وهو قول: أنس وعكرمة والربيع، قال المبرد: إن الفؤاد رأي شيئًا فصدق فيه، و (ما رأي) في موضع النصب، أي ما كذب الفؤاد مرئيه.
أقول: لا يستقيم تأويل {فأوحى إلى عبده ما أوحى} استقامة يساعدها الذوق إذا جعل الضمير في أوحى لجبريل، وكذا نظم الكلام، وإنما يوافق إذا قلنا: إن الضمير لله سبحانه وتعالى وبيانه أن يجري الكلام إلى قوله: {وهو بالأفق الأعلى} على أمر الوحي بالواسطة وتلقيه من الملك في دفع شبه الخصوم، ومن قوله:{ثم دنا فتدلَّى} إلى قوله: {من آيات ربه الكبرى} على أمر العروج إلى الجناب الأقدس فحينئذ (عبده) من إقامة المظهر موضع المضمر لتصحيح نسبة القرب وتحقيق معنى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} ولا يخفي على كل ذي لب إباء مقام قوله: {ما أوحى} الحمل على أن جبريل أوحى إلى عبد الله ما أوحى، إذ لا يذوق منه أرباب القلوب إلا معنى المنافاة بين المتساويين وما ينطوي عنده بساط الوهم ولا يطيقه نطاق الفهم، وكلمة ((ثم)) على هذا منزلة على التراخي بين المرتبتين، والفرق بين الوحيين: وحي بواسطة وتعليم، وآخر بغير واسطة بجهة التكريم فيحصل عنده الترقي من مقام {وما منا إلا له مقام معلوم} إلى مخدع {قاب قوسين أو أدنى}.
قال القاضي عياض: اختلف الخلف والسلف هل رأي نبينا صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء، فأنكرته عائشة، وهو المشهور عن ابن مسعود، وإليه ذهب جماعة من (المحدثين) والمتكلمين.
وروي عن ابن عباس أنه رأي بعينه، ومثله عن أبي ذر وكعب والحسن - وكان يحلف على ذلك -، وحكى مثله عن ابن مسعود وأبي هريرة وأحمد بن حنبل، وحكى أصحاب المقالات عن أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رآه.
ووقف بعض مشايخنا وقال: ليس عليه دليل واضح ولكنه جائز، ورؤية الله تعالى في الدنيا جائزة.