وفي رواية الترمذي قال: رأي محمد ربه. قال: عكرمة قلتُ: أليس الله يقول:
ــ
واختلفوا أن نبينا صلى الله عليه وسلم هل كلمه ربه سبحانه وتعالى ليلة الإسراء بغير واسطة أم لا؟.
فحكي عن الأشعري وقوم من المتكلمين أنه كلمه، وعزاه بعضهم إلى جعفر بن محمد وابن مسعود وابن عباس.
وكذلك اختلفوا في قوله تعالى:{ثم دنا فتدلى} فالأكثرون على أن هذا الدنو والتدلي مقسم ما بين جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس والحسن ومحمد بن كعب وجعفر بن محمد وغيرهم رضي الله تعالى عنهم: أنه دنو من النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه تعالى، أو من الله، والدنو والتدلي على هذا متأول ليس على وجهه، قال جعفر بن محمد: الدنو من الله لا حد له، ومن العباد بالحدود، فدنوه صلى الله عليه وسلم من ربه عزو جل: قربه منه، وظهور عظيم منزلته لديه، وإشراق أنوار معرفته عليه، واطلاعه على أسرار ملكوته وغيبه بما لم يطلع عليه سواه، والدنو من الله تعالى، إظهار ذلك له وإيصال عظيم بره وفضله إليه، و {قاب قوسين أو أدنى} على هذا عبارة عن لطف المحل، وإيضاح المعرفة والإشراف على الحقيقة من نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن الله إجابة الرغبة وإثابة المنزلة، ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه:((من تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا)) هذا آخر كلام القاضي عياض.
وأما صاحب التحرير فإنه اختار إثبات الرؤية، قال: والحجج في هذه المسألة وإن كانت كثيرة لكنا لانتمسك (إلا بالأقوى)، منها حديث ابن عباس رضي الله عنه: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين؟ والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة والمرجوع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر في هذه المسألة: هل رأي محمد صلى الله عليه وسلم ربه، فأخبره أنه رآه، ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضي الله عنها، لأن عائشة لم تخبر أنها سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لم أر ربي، وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة لقوله تعالى:{ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب} ولقوله: {لا تدركه الأبصار} والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجة، وإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن، وإنما يتلقى بالسماع ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذا بالظن والاجتهاد، وقد قال عمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس، ثم إن ابن عباس أثبت شيئًا نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي. هذا كلام صاحب التحرير.