للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}؟ قال: ويحك! ذاك إِذا تجلَّى بنوره الذي هو نوره، وقد رأي ربَّه مرَّتين.

ــ

وقال الشيخ محيي الدين النواوي: الحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء، وإثبات هذا ليس إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما لا ينبغي أن يشكك فيه، ثم إن عائشة لم تنف الرؤية بحديث، ولو كان معها حديث لذكرته، وإنما اعتمدت على الاستباط من الآيات، أما احتجاجها بقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} فجوابه أن الإدارك هو الإحاطة والله تعالى لا يحاط، فإذا ورد النص بنفي الإحاطة به لا يلزم منه نفي الرؤية بغير الإحاطة، وبقوله: {ما كان لبشر أن يكلمه الله} الآية فجوابه أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية، فيجوز وجود الرؤية من غير كلام، أو أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة، وقال ابن عباس وعلى هذا معنى {نزلة أخرى} يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت له عروجات في تلك الليلة لاستحطاط عدد الصلوات، وكل عرجة نزلة – تم كلامه.

وفي التفسير الكبير: واعلم أن النصوص وردت أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأي ربه بفؤاده وجعل بصره في فؤاده، أو رآه ببصره وجهل فؤاده في بصره، وكيف لا ومذهب أهل السنة الرؤية بالإراءة لا بقدرة العبد فإذا حصل الله تعالى العلم بالشيء من طريق البصر كانت رؤية بالإراءة، وإن حصل من طريق القلب كان معرفة، والله تعالى قادر على أن يحصل العلم يخلق مدرك للعلوم في القلب، والمسألة مختلف فيها بين الصحابة، واختلاف الوقوع مما ينبيء عن الاتفاق على الجواز والله أعلم.

وروى السلمي عن جعفر بن محمد: أدناه منه حتى كان قاب قوسين، والدنو من الله تعالى لا حد له، والدنو من العبد بالحدود.

{فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال: بلا واسطة فيما بينه وبينه سرا إلى قلبه لايعلم به أحد سواه بلا واسطة إلا في العقبى حتى يعطيه الشفاعة لأمته، {فأوحى إلى عبده ما أوحى} أي كان ما كان وجرى ما جرى.

وذكر الشيخ أبو القاسم القشيري في مفاتيح الحجج: أخبر الله تعالى بقوله: {فكان قاب قوسين أو أدنى} أنه صلى الله عليه وسلم بلغ من الرتبة والمنزلة والقدر الأعلى ما لا يفهم الخلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>