قال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي قدس الله سره:{ما زاغ البصر} إخبار عن حالة صلوات الله تعالى وسلامه عليه بوصف خاص، وكأن {ما زاغ البصر} حاله في طرف الإعراض وفي طرف الإقبال، تلقى ما ورد عليه في مقام {قاب قوسين} بالروح والقلب {وما طغى} حاله في الفرار من الله تعالى حياء إلى مطاوي الانكسار لئلا تنبسط النفس.
وقال: فيه وجه آخر ألطف منه أنه {ما زاغ البصر} حيث لم يتخلف عن البصيرة ولم يتقاصر {وما طغى} لم تسبق البصيرة البصر فتجاوز حده وتتعدى مقامه، ولم يزل صلى الله عليه وسلم مستجلسًا [حجاله في حقارة] أدب حاله حتى خرق حجب السماوات، فانصبت إليه أقسام القرب انصبابا، وانقشعت عنه الحجب حجابًا حجابًا، حتى استقام على صراط {ما زغ البصر وما طغى} فمر كالبرق الخاطف إلى مخدع الرمل واللطائف، وهذا غاية الأدب ونهاية الأرب.
وقال أبو العباس عن ابن عطاء: لم يره بطغيان ميل بل رآه على شرط اعتدال القوى.
وقال سهل بن عبد الله التستري: لم يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاهد نفسه ولا إلى مشاهدتها، وإنما كان مشاهدا بكليته لربه يشاهد ما يظهر عليه من الصفات التي أوجبت الثبوت في ذلك المحل.
وعن حقائق السلمي قال الصادق: لما قرب الحبيب إلى الحبيب بغاية القرب نالته غاية الهيبة، فلاطفه الحق بغاية اللطف لأنه لايحمل غاية الهيبة إلا غاية اللطف، وذلك قوله:{فأوحى إلى عبده ما أوحى} أي كان ما كان وجرى ما جرى، قال الحبيب للحبيب ما يقول الحبيب لحبيبه، وألطف له إلطاف الحبيب لحبيبه، وأسر إليه ما يسر الحبيب إلى حبيبه، فأخفيا ولم يطلعا على سرهما أحدًا.
قال جعفر: لا يعلم ما رأي إلا الذي أرى، والذي رأي صار الحبيب إلى الحبيب قريبًا وله نجيا وبه أنيسًا، يرفع درجات من يشاء.
قال السلمي: ما كذب الفؤاد ما رأي البصر، وهو مشاهدة ربه كفاحًا ببصره وقلبه.
وقال ابن عطاء: ما اعتقد القلب خلاف ما رآه العين، وليس كل من رأي شيئًا مكن فؤاده من إدراكه، إذ العيان قد يظهر فيه فيضطرب السر عن حمل الوارد عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم محمول فيها فؤاده وعقله وحسه، وهذا يدل على صدق طويته وحمله فيما شوهد به والله أعلم.