٢٦٠ - وعنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((منهومان لا يشبعان: منهوم في العلم لا يشبع منه، ومنهوم في الدنيا لا يشبع منها)). ورى البيهقي الأحاديث الثلاثة في ((شعب
ــ
وأقول: ((من)) الاستفهامية مبتدأ، و ((أجود)) خبره، و ((جودا)) تمييز مزال عن الأصل فيه وجهان: أحدهما أن أجود أفعل من الجودة، أي أحسن جوداً وأبلغه. وثانيهما من جود الكرم، أي من الذي جوده أجود؟ فيكون إسناداً مجازياً، كما في قولك: جد جده. أو استعارة مكنية شبه جوده بإنسان يصدر منه الجود، ثم خيل أنه إنسان جواد بعينه، ثم نسب إليه ما يلازمه من الجود مبالغة لكماله في صاحبه، وعليه قوله تعالى:{يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية} الضمير في ((أشد)) للخشية، لا للناس؛ لأن أفعل إذا نصب ما بعده كان غير الذي قبله، كقولك: زيد أفره عبداً، فالفراهة للعبد لا للزيد، والضمير في ((أجود)) راجع إلى ((بني آدم)) على تأويل الإنسان، أو للجود.
وقوله:((أميراً وحده)) أي وحده كالجماعة فيها أمير مأمور، نحو قوله في الرواية الأخرى: قال الله تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتاً} أي كان وحده بمنزلة الجماعة مجتمعة على أمر عظيم، يقتدون عظيماً، لحيازته الكمال والأخلاق الحميدة، وأنشد:
وليس من الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
قال ابن مسعود: إن معاذا كان أمة قانتاً لله، فقيل له: ذاك إبراهيم؟ فقال؟ الأمة الذي يعلم الخير. وروى عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{معاذ أمة قانت لله، ليس بينه وبين الله تعالى يوم القيامة إلا المرسلون}. انظر إلى هذه الكريمة كيف جعلت العالم الثاني المرسلين في هذا الحديث، ورابع أربعة فيما نحن بصدده: الله عز وجل، وحبيبه، وخليله صلوات الله عليهما و ((بعدي)) يحتمل البعد في المرتبة، وفي الزمان، والأول أظهر. ونشر العلم يعم التدريس، والتصنيف، وترغيب الناس فيه.
الحديث الثاني عشر عن أنس: قوله: ((منهومان)) ((نه)): النهمة بلوغ الهمة في الشيء، وفي الحديث:((إذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله)) ومنه النهم من الجوع. أقول: إن ذهب في الحديث إلى الأصل كان ((لا يشبعان)) استعارة لعدم انتهاء حرصهما، وإن ذهب إلى الفرع يكون تشبيهاً لبيانه بقوله:((منهوم في العلم))، جعل أفراد المنهوم ثلاثة: أحدها المعروف، وهو المنهوم من الجوع، والآخرين من العلم والدنيا، وجعلهما أبلغ من المتعارف، ولعمري إنه كذلك، وإن كان المحمود منهما هو العلم، ومن ثم أمر الله تعالى حبيبه صلى الله عليه وسلم بقوله: {قل رب