الله ولم يكن شيء قبلة، وكان عرشُه على الماء، ثمَّ خلقَ السماواتِ والأرضَ، وكتبَ في الذكر كل شيء)) ثم أتاني رجلٌ فقال: يا عمرانُ! أدرك ناقتكَ فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها، وايم الله لوددت أنَّها قد ذهبت ولم أقُم رواه البخاري.
ــ
((تو)): هذا فصل مستقل بنفسه لا امتزاج له بالفصل الثاني وهو قوله: {وكان عرشه على الماء} لما بين الفصلين من المنافاة، فإنك إذا جعلت {وكان عرشه على الماء} من تمام القول الأول فقد ناقضت الأول بالثاني، لأن القديم من لم يسبقه شيء ولم يعارضه في الأولية، وقد أشار بقوله:{وكان عرشه على الماء} إلى أنهما كانا مبدأ التكوين، وأنهما كانا مخلوقين قبل السماوات والأرض، ولم يكن تحت العرش قبل السماوات والأرض إلا الماء، وكيفما كان فالله سبحانه وتعالى خالق ذلك كله وممسكه بقوته وقدرته.
أقول: أراد الشيخ بما قال أن المعطوف عليه مقيد بقوله: ولم يكن قبله شيء)) فلو جعل المعطوف غير مستقل لزم المحذور، فإذا جعل مستقلا ويعطف الثانية على الأولى من حيث الجملية فلا، فإذن لفظة ((كان)) في الموضعين بحسب حال مدخولها فالمراد بالأول الأزلية والقدم، وبالثاني الحدوث بعد العدم.
غب:((كان)) عبارة عما مضى من الزمان وفي كثير من وصف الله تنبيء عن معنى الأزلية، قال الله تعالى:{وكان الله بكل شيء عليما} وما استعمل منه في جنس الشيء متعلقًا بوصف له موجود فيه فتنبيه على أن ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك منه، قال الله تعالى:{وكان الشيطان للإنسان خذولا} ولا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه ((كان)) قد تقدم تقدمًا كبيرًا، وبين أن يكون في زمان قد تقدم بآن واحد على الوقت الذي استعملت فيه ((كان)) كقوله تعالى: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} - انتهى كلامه -.
ومما يدل على صحة قولنا: وبالثاني الحدوث بعد العدم، ما ورد في الفصل الثاني من النص القاطع:((كان في عماء ما تحته ماء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء)) فالحاصل أن عطف قوله: ((وكان عرشه على الماء)) على قوله: ((كان الله ولم يكن قبله شيء)) من باب الإخبار عن حصول الجملتين في الوجود، وتفويض الترتيب إلى الذهن فالواو فيه بمنزلة ثم، وقد سبق في باب الإيمان بالقدر مزيد تقرير وشرح لهذا الكلام