٥٧١٤ وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((عرض على الأنبياءُ فإذا موسى ضربٌ من الرجال، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم فإذا أقرب من رأيت به
ــ
حس: يجب على المسلم الإيمان به على ما جاء به من غير أن يعتبره بما جرى عليه عرف البشر فيقع في الارتياب، لأنه أمر مصدره قدرة الله تعالى وحكمه، وهي مجادلة جرت بين ملك كريم ونبي كليم، كل واحد منهما مخصوص بصفة يخرج بها عن حكم عوام البشر ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خص به، فلا يعتبر حالهما بحال غيرهما، وقد اصطفي الله تعالى موسى بالمعجزات الباهرة والآيات الظاهرة، فلما دنت وفاته وهو بشر يكره الموت طبعًا لطف الله به بأن لم يفاجئه بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به بأن يأخذه قهرًا، بل أرسله على سبيل الامتحان في صورة بشر، فلما رآه موسى استنكر شأنه واستوعر مكانه، فاحتجز منه دفعًا عن نفسه بما كان من صكه إياه فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية، وقد كان في طبع موسى عليه السلام حدة على ما قص الله تعالى علينا من أمره في كتابه، من: وكزه القبطي، وإلقائه الألواح، وأخذه برأس أخيه يجره إليه، هذا وقد جرت سنة الدين بدفع كل قاصد بسوء.
وقد ذكر الخطابي رحمه الله هذا المعنى في كتابه ردًا على من طعن في هذا الحديث وأمثاله من أهل البدع الملحدين - أبادهم الله تعالى - انتهى كلامه -.
فإن قلت: أي فرق بين قول الملك: ((عبد لك)) على التنكير، وبين قول الله: عبدى؟.
قلت: يدل قول الملك على نوع طعن حيث نكره وشنع عليه بقوله: لا يريد الموت، وقول الله تفخيم لشأنه وتعظيم مكانة حيث أضافه إلى نفسه ردًا عليه وتنبيها أن ما ظهر من موسى كان دلالا منه واعتزازًا وأننا نرضي بما يريد فجعلنا الخيرة له إكرامًا.
قوله:((فما توارت يدك)) قض: هكذا مذكور في صحيح مسلم، ولعل الظاهر فما وارت يدُك بالرفع، وأخطأ بعض الرواة، ويدل عليه ما روى البخاري في صحيحه: فله ما غطت يده بكل شعرة سنة.
ويحتمل أن يكون بدلا منصوبًا بنزع الخافض، وفي ((توارت)) ضمير، وإنما أنثه لكونه مفسرًا بالشعرة)).
أقول: قوله: ((من شعرة)) بيان ((ما)) والضمير فيه راجع إلى متن الثور، وما توارت قطعة منه فأنثه باعتبار القطعة التي توارت بيدك أو تحت يدك.
الحديث السادس عشر عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((فإذا موسى ضرب من الرجال)) قض: لعل أرواحهم مثلت له بهذه الصورة، ولعل صورهم كانت كذلك، أو صور أبدانهم كوشفت له في نوم أو يقظة.