((فرجع الملك إلى الله، فقال: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني)) قال: ((فرد الله إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثورٍ، فما توارت يدك من شعرة فإنك تعيثس بها سنةٌ، قال: ثم مه؟، قال: ثمَّ تموت. قال: فالآن من قريبٍ، رب أدنني من الأرض المقدسة رميةً بحجر)). قال رسول صلى الله عليه وسلم:((والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر)) متفق عليه.
ــ
و ((رمية بحجر)) قدر ما يبلغه.
و ((ثم مه)) هي هاء السكت، و ((ما)) استفهامية، أي: ثم ماذا يكون أحياة أم موت؟.
و ((الكثيب)) الرمل المستطيل.
ومعنى:((أجب ربك)) أي للموت.
وأما سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة لشرفها وفضيلة ما فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم.
قالوا: وإنما سأل الإدناء ولم يسأل نفس بيت المقدس لأنه خاف أن يكون قبره مشهورًا عندهم فيفتتن به الناس.
وفي هذا استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والمواطن المباركة والقرب من مدافن الصالحين.
قال المازري: وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث، وقالوا: كيف يجوز على موسى فقء عين ملك الموت؟.
وأجاب عن هذا بأجوبة: أحدها: أنه لا يمتنع أن يكون موسى عليه الصلاة والسلام قد أذن الله له في هذه اللطمة، ويكون ذلك امتحانًا للملطوم، والله سبحانه يفعل في خلقه ما يشاء ويمتحنهم بما أراد.
والثاني: أن هذا على المجاز والمراد أن موسى ناظره وحاجَّه فغلبه بالحجة، يقال: فقأ فلان عين فلان إذا غلبه بالحجة، قال: وفي هذا ضعف لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فرد الله عليه عينه)) فإن قيل: أراد رد حجته، كان بعيدًا.
والثالث: أن موسى لم يعلم أنه ملك من عند الله وظن أنه رجل قصده يريد نفسه فدافعه عنها، فأدت المدافعة إلى فقء عينه، لا أنه قصدها، وهذا جواب الإمام أبي بكر بن خزيمة وغيره من المتقدمين، واختاره المازري والقاضي عياض، وأتاه في المرة الثانية بعلامة علم بها أنه ملك الموت فاستسلم له بخلاف الأولى.