أقول: هو من الإسناد المجازي، لأنه سبب في حشر الناس، لأن الناس لم يحشروا ما لم يحشر، ومنه قولهم: ناقة ضبوث، شك في سمنها فضبثت أي حبست، وإنما جعلت ضابثة لما بها من الداعي إلى الضبث ومنه الحلوب والركوب.
والعاقب: مح: قال ابن الأعرابي: العاقب والعقرب الذي يخلف في الخير من كان قبله، ومنه عقب الرجل يقال لولده.
(والمقفي): قيل: هو على صيغة الفاعل، المولى الذاهب، يقال: قفي عليه أي ذهب به، وكأن المعنى: هو آخر الأنبياء فإذا فنى فلا نبي بعده، فمعنى المقفي والعاقب واحد لأنه تبع الأنبياء صلوات الله عليهم وهو المقفي لأنه المتبع للنبيين، وكل شيء يتبع شيئًا فقد قفاه، يقال: هو يقفو أثر فلان أي يتبعه، قال الله تعالى:{ثم قفينا على آثارهم برسلنا} وسميت قافية البيت بها لأنها كلمة تتبع سائر الكلمات وسمى القفا لأنه خلف الوجه. هذا أحد الوجهين في تسمية النبي صلى الله عليه وسلم المقفي.
والوجه الآخر: أن يكون ((المقفي)) بفتح القاف ويكون مأخوذًا من القفي، والقفي الكريم والضيف، والقفاوة البر واللطف، فكأنه سمى المقفي لكرمه وفضله.
والوجه الأول أحسن وأوضح.
(ونبي الرحمة): قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا رحمة مهداة))، والرحمة: اللطف والرأفة والإشفاق لأنه صلى الله عليه وسلم كان بالمؤمنين رحيمًا.
(ونبي الملاحم): الملاحم جمع الملحمة وهي الحرب، سمي به لحرصه على الجهاد، ومسارعته إلى القراع، وقلة إحجامه، ولذلك قال علي رضي الله عنه:((كنا إذا التحم الناس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن أحد منا إلى العدو أقرب منه)).
قال في شرح السنة: إن قيل: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا نبي الرحمة ونبي الملاحم)) كيف وجه الجمع بينهما؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم:((إنما أنا رحمة)) وقال جل ذكره: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} فكيف يكون مبعوثًا بالرحمة وقد بعث بالسيف؟.
قيل: هو مبعوث بالرحمة كما ذكر وكما أخبر الله تعالى، وذلك أن الله تعالى بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالرحمة، وأيدهم بالمعجزات، فمن أنكر من تلك الأمم الحق بعد الحجة والمعجزة عذبوا بالهلاك والاستئصال، واستؤنى بهذه الأمة فلم يعاجلوا بالهلاك