للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٧٠ - وعن الحسن، قال: العلم علمان: فعلم في القلب فذاك العلم النافع، وعلم على اللسان فذاك حجة الله عز وجل على ابن آدم. رواه الدارمي [٢٧٠].

ــ

وتعطيله إنما يحصل من زلة العالم، وتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإتباع الهوى، ومن جدال المبتدعة وغلوهم في إقامة البدع بالتمسك بتأويلاتهم الزائغة، ومن ظهور ظلم الأئمة المضلين وحكم المزورين. وإنما قدمت زلة العالم لأنها هي السبب في الخصلتين الأخيرتين، كما جاء: ((زلة العالم زلة العالم)) والله أعلم.

الحديث الحادي والعشرون عن الحسن: قوله: ((فعلم)) الفاء تفصيلية، وفي قوله: ((فذلك)) سببية، من باب قوله: ((خولان فانكح)) أي هؤلاء خولان الذين اشتهرت نساءهم بالرغبة فانكح منهم، فكذلك قوله: ((علم في القلب)) دل على كونه مرغوباً فيه، فرتب عليه ما بعده. وفي عكسه قوله: ((فذلك حجة الله))، فإن ذلك صاحب العلم اللساني الذي لم يتأثر منه بقلبه محجوج عليه، ويقال له: {لم تقولون ما لا تفعلون}.

ويمكن أن يحمل الحديث على علمي الظاهر والباطن. قال أبو طالب المكي: علم الظاهر وعلم الباطن هما علمان أصلان لا يستغنى أحدهما عن صاحبه، بمنزلة الإسلام والإيمان، مرتبط كل واحد منهما بالآخر كالجسم والقلب، لا ينفك أحدهما من صاحبه. وقال روينا في بعض الأخبار أن في بعض الكتب المنزلة على بني إسرائيل: ((لا تقولوا: العلم في السماء من ينزل به، ولا في نجوم الأرض من يصعد به، ولا من وراء البحار من يعبر يأتي به. العلم مجعول في قلوبكم، تأدبوا بين يدي بآداب الروحانيين، وتخلقوا بأخلاق الصديقين؛ أظهر العلم من قلوبكم حتى يغمركم ويعطيكم)). وقيل: علم الباطن يخرج من القلب فيقع على القلب، وعلم الظاهر يخرج من اللسان فلا يجاوز الأذن.

قال الشيخ أبو حامد في الأحياء: من انكشف ولو الشيء اليسير له بطريق الإلهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري، فقد صار عارفاً بصحة الطريق، ولم ذلك من نفسه قط، فينبغي أن يؤمن به؛ فإذن درجة المعرفة فيه غزيرة جداً. ويشهد لذلك شواهد الشرع، والتجار، والوقائع، فكل حكمة تظهر في القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>