للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٧١ - وعن أبي هريرة، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم- يعني مجرى الطعام-. رواه البخاري.

ــ

بطريق الكشف والإلهام. قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}، قيل: يجعل له مخرجاً من الإشكالات والشبه، ويرزقه من حيث لا يحتسب فيعلمه علماً من غير تعلم، ويفطنه من غير تجربة. وروي: ((من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم)) وقول علي رضي الله عنه: ((ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما يعطي الرجل في كتابه)) وليس هذا بالتعلم، وسيأتي في الحديث الذي يليه لمعة من تلك اللمعات.

الحديث الثاني والعشرون عن أبي هريرة: قوله: ((وعائين)) شبه نوعي العلم بالظرفين لاحتواء كل منهما ما لم يحتويه الآخر، ولعل المراد بالأول علم الأحكام والأخلاق، وبالثاني علم الأسرار المصون عن الأغيار، المختص بالعلماء بالله من أهل العرفان. وأنشد الشيخ أبو حامد لزين العابدين في المنهاج:

يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي: أنت ممن تعبد الوثنا

ولا ستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا

قال بعض العارفين: العلم المكنون والسر المصون علم هذه الطائفة، وهو نتيجة الخدمة، وثمرة الحكمة، لا يظفر به إلا الغواصون في بحار المجاهدات، ولا يسعد به إلا المصطفون بأنوار المشاهدات، إذ هو أسرار متمكنة في القلوب، لا يظهر إلا بالرياضة، وأنوار ملمعة في العيون لا تنكشف إلا للقلوب المرتاضة، وأهل الغرة بالله لها منكرون، وعنها مدبرون.

قال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي قدس الله سره: علومهم كلها إنباء عن وجدان. وإغراء إلى عرفان، وذوق محقق بصدق الحال، ولم يف بنطق المقال، فاستعصت نكتها على الإشارة، وطفحت على العبارة، وتهاديها الأرواح بدلالة الالتئام والائتلاف، وكرعت حقائقها من حر الألطاف، وقد اندرس كثير من دقيق علومهم كما انطمس كثير من حقائق رسومهم. وقد قال الجنيد رحمه الله: علمنا هذا طوى بساطه منذ كذا سنة، ونحن نتكلم في حواشيه. وروى الشيخ أبو طالب المكي عنه أنه قال: لو أن العلم الذي أتكلم به من عندي لفنى وانقطع، ولكنه من حق بدا، وإلى حق يعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>