وقال بعض العارفين: من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة.
وقال آخر: من كان محباً للدنيا، أو مصراً على الهوى- لم يتحقق بشيء من هذا العلم أبداً. وقال آخر: من كان فيه خصلتان لم يفتح له من هذا العلم حرفان، كبر وبدعة. وقد سبق نبذ من هذا من أوائل حالهم ومنشأ علومهم في الحديث السابق. ومما أنشد:
تنافس أهل الجود في طلب المجد وحثوا مطايا الشوق في مخلص القصد
وداموا لعزم السير في طلب العلى ففازوا بطيب الوصل من دوحتي نجد
إذا ما دعوا يوماً لكشف ملمة لهم همم تسمو إلى العلم الفرد
هم القوم هاموا فاستقاموا على السرى رأيت الفتى النشوان كالأسد الورد
كنوز الصفا والعشق والصدق والولا لهم من بحار الغيب ورد على ورد
عليهم سلام الله ما هبت الصبا قبيل ابتسام الصبح في طالع سعد
لعمري! لقد أحسن وصدق فيما قال وأجاد، إذا ما دعوا يومًا لكشف ملمة البيت؛ لأنهم هم الرجال الذين استقاموا على ما قالوا، وصدقوا فيما عاهدوا. وأما المتسمون برسمهم والمسمون باسمهم، الذين قنعوا في الحقيقة بالاسم والرسم، وتقنعوا بالمراقع والرقص فليسوا من الرجال في شيء بل هم أعجز من العجائز في المعارك.
قال الشيخ أبو حامد- رحمه الله-: متصوفة أهل الزمان- إلا من عصمه الله تعالى- اغتروا بالرأي، والمنطق، والهيئة من السماع والرقص، والطهارة، والجلوس على السجادات مع إطراق الرأس وإدخاله في الجيب كالمتفكر، ومن تنفس الصعداء، أو خفت الصوت في الحديث إلى غير ذلك، فظنوا بذلك أنهم منهم، فلم يتعبوا أنفسهم قط في المجاهدة والرياضة، ومراقبة القلب، وتطهر الباطني والظاهر من الآثام الخفية والجلية، وكل ذلك من أوائل منازل المتصوفة ولو فرغوا عن جميعها لما جاز لهم أن يعدوا أنفسهم من الصوفية، فكيف ولم يحوموا قط حولها؟ بل يتكالبون على الحرام والشبهات، وأموال المسلمين، ويتنافسون في الفلس والرغيف والحبة، ويتحاسدون على النقير والقطمير، ويمزق بعضهم أعراض بعض مهما خالفه في شيء.
ومثالهم مثال عجوز سمعت أن الشجعان تكتب أسماؤهم في الديوان، فتاقت نفسها أن يكتب اسمها فيهم، فلبت درعاً ووضعت على رأسها مغفراً، وتعلمت كيفية تبخترهم في الميدان وحركاتهم والتفاتهم وشمائلهم فيها، وتوجهت إلى المعسكر، فلما نفذت إلى ديوان