٥٨٤٦ - وعن ابن عباس، قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فجعل ينادي:((يا بني فهر! يا بني عدي!)) لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال:((أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل - وفي رواية: أن خيلا تخرج بالوادي تريد أن تغير عليكم - أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا. قال: ((فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد)). قال أبو لهب: تبالك، ألهذا جمعتنا؟! فنزلت:{تبت يدا أبي لهب وتب} متفق عليه.
٥٨٤٧ - وعن عبد الله بن مسعود، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل: أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك، فانطلق منطلق إلى فاطمة، فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم
ــ
أجاب القاضي عياض: بأنه ليس هذا بنجس؛ لأن الفرث ورطوبة البدن طاهران وإنما النجس الدم، وهو مذهب مالك ومن وافقه من أن روث ما يؤكل لحمه طاهر، ومذهبنا ومذهب أبي حنيفة أنه نجس.
وهذا القول الذي قاله القاضي ضعيف؛ لأن هذا السلا يتضمن النجاسة من حيث إنه لا ينفك من الدم في الغالب، ولأنه ذبيحة عباد الأوثان، والجواب المرضي أنه لم يعلم ما وضع على ظهره فاستمر في سجوده استصحابًا للطهارة.
((حس)): قيل: كان الصنيع منهم قبل تحريم هذه الأشياء من: الفرث والدم وذبيحة أهل الشرك، فلم يكن تبطل الصلاة بها كالخمر كان يصيب ثيابهم قبل تحريمها.
أقول: لعل ثباته على ذلك كان مزيدًا للشكوى وإظهار ما صنع أعداء الله تعالى برسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذهم أخذًا وبيلا، ولذلك كرر له الدعاء ثلاثا.
وقوله:((عليك بقريش)) أي اذهب بهم واستأصلهم عن آخرهم كما يقال: ذهبت به الخيلاء.