يرقي من هذا الريح, فسمع سفهاء أهل مكة يقولون إن محمدا مجنون فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي. قال: فلقيه. فقال: يا محمد! إني أرقي من هذا الريح, فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الحمد لله, نحمده ونستعينه, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, أما بعد)) فقال: أعد على كلماتك هؤلاء, فأعادهنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فقال: لقد سمعت قول الكهنة, وقول السحرة, وقول الشعراء, فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء. ولقد بلغن
ــ
قوله: ((من هذا الريح)) الإشارة بهذا إلى ما في الذهن, والخبر مبين له, وذكره باعتبار الجنون.
تو: الإشارة بهذا إلى جنس العلة التي كانوا يرونها الريح, وأنهم كانوا يرون أن الخبل الذي يصيب الإنسان والأدواء التي كانوا يرونها من مسة الجن نفخة من نفخات الجن فيسمونها الريح.
قوله ((لعل الله يشفيه)) جواب للو, أي لو رأيته لداويته ورجوت شفاءه من الله تعالى.
قوله ((فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحمد لله)) طابق هذا القول قول ضماد من حيث إنه لما سمع من سفهاء أهل مكة: أن محمدًا مجنون اعتقد أنه كذلك فقال: هل لك رغبة في أن أرقيك وأخلصك من الجنون؟ كأنه صلى الله عليه وسلم ما التفت إلى قوله ذلك وأرشده إلى الحق البحت والصدق المحض: أي أني لست بمجنون أتكلم بكلام المجانين بل كلامي نحو هذا وأمثاله, فتفكروا فيه هل ينطق المجنون بمثل هذه الكلمات, ونحوه قوله تعالى: {ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين} أي أنهم جننوه لأجل القرآن, وما هو إلا ذكر وموعظة للعالمين فكيف يجنن من جاء بمثله.
وأشار بهؤلاء إلى الكلمات, والعرب ربما استعملوها في غير العقلاء وقد شهد به التنزيل, قال الله تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} قال الشاعر:
ذم المنازل بعد منزله اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام
قوله ((ولقد بلغن قاموس البحر)) تو: وفي كتاب المصابيح: ((بلغنا)) وهو خطأ لا سبيل إلى تقويمه من طريق المعنى, والرواية لم ترد به.
و ((ناعوس البحر)) أيضًا خطأ.