للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذ جيء بكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل: قال: وكان دحية الكلبيُّ جاء به فدفعه إلى عظيم بُصرى, فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل, فقال هرقل: هل هنا أحدٌ من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم, فدعيت في نفرٍ من قريش, فدخلنا على هرقل, فأجلسنا بين يديه، فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي, قال أبو سفيان: فقلت: أنا, فأجلسوني بين يديه, وأجلسوا أصحابي خلفي, ثم دعا بترجمانه فقال: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي, فإن كذبني فكذبوه. قال أبو سفيان: وايم الله لولا مخافةُ أن يؤثر عليَّ الكذب لكذبته, ثم قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم؟ قال: قلت: هو فينا ذو حسب. قال: فهل كان من آبائه من ملكٍ؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا: قال: ومن يتبعه؟ أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل

ــ

أكد ذلك فقال لأصحابه: ((إن كذبني فكذبوه)) أي لا تستحيوا منه, وإنما أجلس أصحابه خلفه ليكون أهون عليهم في تكذيبه إن كذب.

و ((الترجمان)) بضم التاء وفتحها والفتح أفصح, وهو المعبر عن لغة أخرى.

و ((لولا مخافة أن يؤثر على)) معناه لولا خوف أن ينقلوا عنى الكذب إلى قومى ويتحدثوا به لكذبت عليه لبغضي إياه, وإنما عداه بعلي لتضمن معنى المضرة, أي: كذب يكون عليّ لا لي.

وفي هذا بيان أن الكذب قبيح في الجاهلية كما هو قبيح في الإسلام.

قوله: ((ومن يتبعه؟)) وفي الحميدي وجامع الأصول: فهل يتبعه؟ و ((أم)) هنا متصلة, وفي وقوعها قرينة ((هل)) إشكال, لأن هل تستدعي السؤال عن حصول الجملة, وأم المتصلة تستدعي حصولها لكن السؤال بها عن تعين أحد المعنيين مسندًا ومسندًا إليه, والظاهر ما في صحيح مسلم وشرحه والمشكاة ومن يتبعه فتكون همزة الاستفهام مقدرة في قوله: ((أشراف الناس)) فسأل أولا مجملا, ثم سأل ثانيًا مفصلا.

و ((السخط)) بفتح السين كراهة الشيء وعدم الرضي به.

و ((السجال)) بكسر السين من المساجلة, وأصله من السجل وهو الدلو, لأن لكل واحد من الواردين دلوًا مثل ما للآخر, ولكل واحد منهم يوم في الاستسقاء, ومعناه هاهنا أن الحرب دلو تارة له وتارة عليه.

وقوله: ((ونحن منه في هذه المدة)) يعني مدة الهدنة والصلح الذي جرى يوم الحديبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>