حنين؟ قال: لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن خرج شبان أصحابه ليس عليهم كثير سلاح، فلقوا قوماً رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقاً ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بلغته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث يقوده، فنزل واستنصر وقال:((أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)) ثم صفهم. رواه مسلم.
وللبخاري معناه.
ــ
قوله:((لا والله)) مح: هذا الجواب لذي أجابه البراء من بديع الأدب، لأن تقدير الكلام: فررتم كلكم، فيقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم وافقهم في ذلك فقال البراء:((لا والله ما فر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن جماعة من أصحابه جرى لهم كذا وكذا)).
فإن قلت: ذكر في الحديث السابق: ((ولى المسلمون مدبرين)) [وبعدوا بعداً صاح بهم العباس وكان صيتا] وفي هذا الحديث: ((فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)) فكيف الجمع؟.
قلت: أقدر قبل الفاء في قوله: ((فأقبلوا هناك)) جميع ما يتصل به من فرارهم وتصويت العباس لهم وإقبالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله:((فنزل واستنصر)) أي النبي صلى الله عليه وسلم تواضعا واستكانة لله تعالى، وطلب النصرة منه تعالى لعلمه أن النصرة ليس إلا منه، وقد سبق في باب البيان والشعر كلام في أنه لم يقصد بكلامه ذلك الشعر.
مح: فإن قيل: كيف نسب نفسه إلى جده دون أبيه وافتخر بذلك مع أن الافتخار من عمل الجاهلية؟.
فالجواب: أنه صلى الله عليه وسلم كانت شهرته بجده أكثر لأن أباه قد توفي شبابا قبل اشتهاره، وكان جده مشهوراً شهرة ظاهرة شائعة، وكان سيد أهل مكة، وكان مشتهراً عندهم ان عبد المطلب بشر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه سيظهر ويكون شأنه عظيماً، وكان أخبره بذلك سيف بن ذي يزن.
وقيل: إن عبد المطلب رأى رؤيا تدل على ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك مشهوراً عندهم فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم بذلك ونبئهم بأنه صلى الله عليه وسلم لابد من ظهوره على الأعداء وأن العاقبة لهم لتقوى نفوسهم، وأعلمهم أيضاً أنه ثابت يلازم الحرب لم يول مع من ولى، وعرفهم موضعه ليرجع إليه الراجعون.
وأما قوله:((أنا النبي لا كذب)) فمعناه: أنا النبي حقاً فلا أفر ولا أولي وفيه دليل على جواز قول الإنسان في الحرب أنا فلان أنا فلان، أو أنا ابن فلان، أو نحن ذلك.