الجراح؛ فقال:((أما إنه من أهل النار)) فكاد بعض الناس يرتاب، فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته، فانتزع سهماً فانتحر بها، فاشتد رجال المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله؛ صدق الله حديثك، قد انتحر فلان وقتل نفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله، يا بلال قم فأذن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)). رواه البخاري.
٥٨٩٣ - وعن عائشة، قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم عندي، دعا الله ودعاه، ثم قال:
ــ
وقوله:((فأهوى بيده إلى كنانته)) أي قصد ومال إلى جعبته.
ويقال: انتحر الرجل إذا نحر نفسه، وفي المثل: سرق السارق فانتحر.
فاستد: أي عدا قاصداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله:((الله أكبر)) يحتمل تعجباً وفرحاً لوقوع ما أخبر عنه فعظم الله حمداً وشكراً لتصديق قوله.
وأن يكون كسراً للنفس وعجبها حتى لا يتوهم أنه من عنده، وينصره قوله:((إني عبد الله))
وقوله:((أذن يا بلال: لا يدخل الجنة إلا مؤمن)) تعريض بقول ذلك الرجل وتعريضه في قوله: ((وقد قاتل في سبيل الله من أشد القتال)) بأنه من أهل الجنة، كما سبق.
مح: اسم الرجل ((قزمان)) قاله الخطيب البغدادي، وكان من المنافقين كذا في جامع الأصول.
قوله:((وإن الله ليؤيد))، أي إن الله تعالى ينصر هذا الدين ويقويه بالرجل الفاجر، فلا ترتابوا في هذا كما ارتبتم في ذلك لشدة عنايته بهذا الدين وصونه عن الزوال إلى يوم الدين.
الحديث الرابع والعشرون عن عائشة رضي الله عنها:
قوله:((إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله)) مح: قد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث لذلك وزعم أنه يحط من منزل النبوة، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع. وهذا الذي ادعاه باطل لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقة وعصمته بما يتعلق بالتبليغ والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل، فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بها فهو مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه، وقد قيل: إنه إنما كان يتخيل أنه وطئ زوجاته وليس يواطئ، وقد يتخيل للإنسان قبل هذا في المنام.