وفي رواية:((لا إله إلا الله والله أكبر، تملآن ما بين السماء والأرض)). لم أجد هذه الرواية في ((الصحيحين)) ولا في كتاب الحميدي، ولا في ((الجامع))؛ ولكن ذكرها الدارمي بدل ((سبحان الله والحمد لله)). [٢٨١] م
ــ
أقول- وبالله التوفيق-: لعل المعني بالإيمان هاهنا شعبه، كما في قوله صلوات الله عليه:((الإيمان بضع وسبعون شعبة)) والطهور، والحمد لله، وسبحان الله، والصلاة، والصدقة، والصبر، والقرآن أعظم شعبها التي لا تنحصر، وتخصيص ذكرها لبيان فائدتها، وفخامة شأنها. فبدأ بالطهور وجعله شطر الإيمان، أي شعبة منه، ومجازه كمجازه في قوله تعالي:{فول وجهك شطر المسجد الحرام} أي نحوه، وأنشد:
وأطعن بالقوم شطر الملوك حتى إذا خفق المجدع
وتقريره [أي تقدير كون الطهور شعبة من الإيمان] بوجوه: أحدها: أنه صلوات الله عليه جعل نقصان الدين في قوله للنساء: ((أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلي! قال: فذلك من نقصان دينها)) فكل مانع يمنع المكلف من الطاعة هو موجب نقصان دينه، وما يرفع المانع لا يبعد أن يعد من الدين.
وثانيها: أن طهارة الظاهر أمارة لطهارة الباطن؛ لأن الظاهر عنوان الباطن، فكما أن طهارة الظاهر ترفع الخبث والحدث من الظاهر- ليستعد للشروع في العبادات- كذلك طهارة الباطن- وهي التوبة- تفتح باب السلوك للسائرين إلي الله تعالي؛ ومن ثم جمعهما في قوله:{إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، وقيد كل واحد منهما بمحبة مستقلة.
وثالثها: أنه قد اشتهر أن من أراد الوفود إلي العظماء يتحرى بتطهير ظاهره من الدنس والأوضار، ولبس الثياب النقية الفاخرة، فوافد مالك الملك ذي العزة والجبروت أولي وأحرى بذلك، ومن ثم شرعت نظافة البدن والثوب، والتطيب في أيام الأعياد والجمعات، قال الله سبحانه وتعالي لحبيبه- صلوات الله عليه-: {وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر}، وكان من حق الظاهر بناء علي ما ذكر أن يؤخر «وربك فكبر» عن قرينتها، لكن قدم ما هو مقدم في المقصود، وإن كان مؤخراً في الوجود لأن الغايات والكمالات سابقة في الإرادة لاحقة في الوجود، وعليه قوله تعالي:{الرحمن علم القرآن خلق الإنسان}. ولما أراد الله تعالي أن